بالجامدات تسعون وجها يبطل المعنى الذي قلتم هو النفس (١) للقرآن».
ولا وجه واحد. (وتسعون إلى آخره ساقطة من المطبوع).
قال : «وإليه قد عرج الرسول حقيقة».
__________________
الكلام النفسي
(١) وقد صحّ عن أحمد فيما جاوب به المتوكل وغيره كما هو مذكور في كتاب السنة وعيون التواريخ وغيرهما أنه كان يقول : القرآن من علم الله وعلم الله غير مخلوق فالقرآن غير مخلوق وهذا دليل على أنه كان يريد بالقرآن ما هو قائم بالله ، وتابعه ابن حزم في الفصل. فقوله تعالى : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) [يوسف : ٧٧] فقال : إما بدل من أسر أو استئناف بياني وعلى التقديرين تدل الآية على أن للنفس كلاما لقوله في نفسه ـ كما حكى القرآن الكريم ـ (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) [يوسف : ٧٧] وكذلك قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [الزّخرف : ٨٠] وفي الحديث السر ما أسرّه ابن آدم في نفسه وقوله تعالى (... يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) [آل عمران : ١٥٤] أي يقولون في أنفسهم بدليل السياق وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) [الأعراف : ٢٠٥].
كل ذلك من أدلة الكلام النفسي وحديث أم سلمة في الطبراني في رجل سأل النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا :
إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا يلقي ذلك الكلام إلا مؤمن» وما في الحديث القدسي «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» من أدلة الكلام النفسي أيضا وقد أقرّ الذهبي بحجية الأخير في ذلك في كتاب العلو له ، ومن الدليل على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) [المجادلة : ٨] فقوله تعالى (بِأَلْسِنَتِهِمْ) [النّساء : ٤٦] و (بِأَفْواهِهِمْ) [آل عمران : ١٦٧] في قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح : ١١] و (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٦٧] لم يجعل القول باللسان مجازا حتى يظن المجازية في القول في النفس تمسكا بلفظ (فِي أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] كما توهم بعض أهل الأهواء وقول عمر الفاروق «زورت في نفسي كلاما» أشهر من نار على علم ، فمن ردّ أن يكون كلام في النفس رد على تلك الأدلة الصريحة والحامل لأهل الحق على القول بالكلام النفسي هو إجماع التابعين على القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فخرّجوا إجماعهم هذا على هذا الوجه المعقول وإلا لما صحّ قولهم. وتسفيه أحلام التابعين جميعا لا يصدر إلا عن مجازف فالفرق بين ما هو قائم بالخلق والمعنى القائم بالله سبحانه هو المخلص الوحيد في هذه المسألة فاللفظي حديث والنفسي قديم كما أشار إلى هذا وإلى ذاك إمام الأئمة أبو حنيفة وتابعه أهل الحق. ويتضح بهذا البيان الواضح أن قول بعض زهّاد الحشوية في هذا البحث : «نحن نستدل في الحرف والصوت بقوله تعالى : (كهيعص (١)) [مريم : ١] ونحوه وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «يجمع الله الخلائق يوم القيامة ..» وخصومنا يستدلون بقول الأخطل النصراني «إن البيان لفي الفؤاد» بتحريف البائن إلى الكلام» هواء بعيد عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء وهراء لا يصدر إلا من السفهاء ومثل هذا السفه حمل بعض الشافعية أن يشترط في مدرسة بناها بدمشق أن لا يطأ أرضها يهودي ولا نصراني ولا حشوي حنبلي كما في الدارس في تاريخ المدارس وقانا الله شر الغلو.