ثور ولا أنه حقير الشأن ، وقد اعترف في التركيبين الأخيرين بالامتناع فيسأل من أهل اللغة هل القدم واليد والجنب أعضاء (١) أو صفات.
فصل
قال : «ودلالة الأسماء مطابقة وتضمن والتزام فالمطابقة يفهم منها ذات الإله والوصف والتضمن دلالته على أحدهما واللازم دلالته على الصفة التي اشتق الاسم منها كالرحمن ، فالذات والرحمة مدلولاه تضمنا ودلالته على الحياة بالالتزام».
مقصوده بهذا المبالغة في القول بالتركيب في المعنى (٢) وإن أنكره باللفظ فيما تقدم ، ومدلول الرحمن في اللغة ذو الرحمة وهو شيء واحد لا مركب وإن كان
__________________
(١) فإن اعترف بعد السؤال من أهل اللغة بأنها أعضاء يكون المركب منها من القسم الأول فيكون عابد جسم ذي أعضاء وإن لم يعترف بأنها أعضاء بل قال إنها مجازات عن صفات ثابتة له تعالى فقد ترك مذهبه وكان جهاده في غير عدو ولكن أنى يعترف بأنها مجازات مع الغلو المشهود في نحلته؟ ومن ألطف النكت الجارية مجرى الإلزامات الظاهرة على المجسمة ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره (٧ ـ ١٤٨) حيث قال : إن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيونا كثيرة لقوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : ١٤] وأن يثبت له جنبا واحدا لقوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلىاللهعليهوسلم : «وكلتا يديه يمين» وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] فيكون الحاصل من هذه الصورة مجرد رقعة الوجه ويكون عليها عيون كثيرة وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ولو كان هذا عبدا لم يرغب أحد في شرائه فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة؟! وإن كان الثاني وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن بل يزيد وينقص على وفق التأويلات فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ولا بد له من قبول دلائل العقل اه.
(٢) لأن كلام أهل العربية في الدلالات الثلاث (دلالة اللفظ على تمام ما وضع له مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى الخارج اللازم التزام) والاجتراء على إجراء ذلك في الأسماء المقدسة مبالغة في القول بالتركيب في المعنى بإثبات الجزء في دلالتها كما قال المصنف على أن ابن حزم قطع على الحشوية سيل التقول بالمرة بأن قال إن الأسماء الحسنى أسماء أعلام للذات العلية لا تدل على الصفات باعتبار أن الله سماها أسماء. فضاقوا ذرعا من كلامه هذا جدا وليس هذا موضع توسع لبيان ما له وما عليه ، وكفى للبصير مجرد الإشارة إليه.