التشكيك في القرآن
الحكيم ، بل القول بمجرد الدليل العقلي في علم الشريعة بدعة وضلالة.
بل الأصل في علم
التوحيد والصفات هو التمسك بالكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعة ، ولزوم طريق
السنة والجماعة في المباحثة مع الذين أقروا برسالة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنما يستعمل الدليل العقلي وحده مع غيرهم كما يقوله فخر
الإسلام وغيره ، فلا يعوّل عند أهل الحق على اعتقاد لا يقره الكتاب والسنة ، فمن
سعى في إبعادهما عنه فقد أبعد في الضلال.
وأما عدّ كاتب
المقال لمسائل الخلاف في علم أصول الدّين بمنزلة الخلاف في مسائل الفقه في عدم
التأثيم : فنزوع منه إلى رأي عبيد الله بن الحسن العنبريّ في تصويب المختلفين في
العقائد. ومبلغ شناعة رأيه في ذلك يظهر مما بسطه ابن قتيبة في «مختلف الحديث» ص
٥٥.
وقد توسّع أئمة
الأصول في نقض خيال الجاحظ في عدم تأثيم المختلفين في العلميّات والعمليّات بعد
بذل الجهد منهم ، مع كون الصواب واحدا عنده في النوعين ، كما توسّعوا في التشنيع
على العنبري في تصويب المختلفين مطلقا.
قال الغزالي في «المستصفى»
: مذهب العنبري شرّ من مذهب الجاحظ ، فإنه أقرّ بأن المصيب واحد ، ولكن جعل المخطئ
معذورا ، بل هو شرّ من مذهب السوفسطائية ، لأنهم نفوا حقائق الأشياء ، وهذا أثبت
الحقائق ثم جعلها تابعة للاعتقادات ، فهذا لو ورد به الشرع لكان محالا ، بخلاف
مذهب الجاحظ.
وقد استبشع إخوانه
من المعتزلة هذا المذهب فأنكروه وأوّلوه وقالوا : «أراد به اختلاف المسلمين في
المسائل الكلامية التي لا يلزم فيها تكفير ، كمسألة الرؤية ، وخلق الأعمال ، وخلق
القرآن ، وإرادة الكائنات ، لأن الآيات والأخبار فيها متشابهة ، وأدلّة الشرع فيها
متعارضة ، وكلّ فريق ذهب إلى ما رآه أوفق لكلام الله وكلام رسوله عليهالسلام ، وأليق بعظمة الله سبحانه وثبات دينه ، فكانوا فيه مصيبين
ومعذورين».
ثم قال الغزالي : «إن
زعم أنهم فيه مصيبون ، فهذا محال عقلا ، لأنّ هذه أمور ذاتية لا تختلف بالإضافة ،
فلا يمكن أن يكون القرآن قديما ومخلوقا أيضا ، بل أحدهما ، والرؤية محالا وممكنا
أيضا ، والمعاصي بإرادة الله تعالى وخارجة عن إرادته ، أو يكون القرآن مخلوقا في
حق زيد قديما في حق عمرو.