العلى حقا على العرش استوى والأمر ينزل منه وإليه يصعد ما يشاء وإليه صعد الرسول صلىاللهعليهوسلم وعيسى ابن مريم والأملاك تصعد دائما من هنا إليه وروح العبد بعد الموت وأنه متكلم بالقرآن سمع الأمين كلامه منه هو قول رب العالمين حقيقة لفظا (١) ومعنى وأنهم وصفوا الإله بكل ما جاء في القرآن وأن قول الرسول صلىاللهعليهوسلم نص (٢) يفيد علم اليقين».
فمن ينازع في ذلك؟ وإن أراد الآحاد أو الذي جوزت اللغة احتمال لفظه فحكمه عليه بإفادة علم اليقين جهل منه.
قال : «وإنهم قابلوا التعطيل والتمثيل بالنكران أن المعطل والمثل ما هما متيقنين عبادة الرّحمن ذا عابد المعدوم لا سبحانه أبدا وهذا عابد الأوثان وأنهم يتأولون حقيقة التأويل وأن تأويلاتهم صرف عن المرجوح (٣) للرجحان وأنهم حملوا النصوص على
__________________
(١) قد سبق إبطال القول بالفوقية الحسية والنزول الحسي والجلوس على العرش ونحوها مما هو معتقد المجسمة إبطالا لا مزيد عليه ، وقوله هنا في الكلام إعادة لزعمه الحرف والصوت في كلام الله وقد سبق إبطال ذلك أيضا ومن الغريب أن يؤلف مثل الموفق بن قدامة (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم) وكفى ما سبق في إبطاله. وابن بطة صاحب الإبانة فضح نفسه بأن يزيد في رواية حديث موسى عليهالسلام «من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟» ليجعل كلام الله من قبيل كلام الخلق فجمع بين الاختلاق وسوء المعتقد وابن بطة هذا من أئمة الناظم ولست في صدد استقصاء أهل الكذب والزيغ من أئمته وبين هذا المتأخر زمنا وعلما كلمات جوفاء في تزويق مزاعم الحشوية في تلك المسائل ، ومن ظنّ به أنه أتى بشيء جديد غير الجمع بين الحشوية والتصوف السالمي الهاذي بالتجلي في الصور فقد ولى فهمه وأدبر علمه وكم من مصاب في عقله ودينه يتكلم في هذه الأبحاث بدون علم ولا فهم ولا تقى ، نسأل الله المعافاة.
(٢) قول الرسول القطعي الثبوت والقطعي الدلالة نص يفيد علم اليقين من غير خلاف ، وأما ما هو ظني الدلالة منه فلا ، كما تقرر في الأصول ودعوى إفادة خبر الآحاد العلم من هواجس الظاهرية إلا إذا كان متحفا بقرائن ، وقد بيّنّا الحق في ذلك في تعليقاتنا المهمة على شروط الأئمة فليراجع هناك. والحشوية يحشرون في كتبهم في المعتقد المنقطعات والوحدان وروايات المجاهيل والضعفاء والوضّاعين ويقولون عنها إنها قول الرسول صلىاللهعليهوسلم مع إنها مما لا يحتج به في باب الاعتقاد أصلا بل لا يتمسك بها في باب الأعمال أيضا ، وتوثيق مثل ابن حبان لرجل لا يخرجه من الجهالة عند من يعرف مصطلح ابن حبان في التوثيق. وإنما الحجة في باب الاعتقاد هي الكتاب المنزل والصحاح المشاهير من الحديث.
(٣) صرف اللفظ عن الاحتمال المرجوح إلى الراجح مما لا معنى له لأن اللفظ منصرف بنفسه إلى الراجح من الاحتمالين ، واللفظ ظاهر بالنسبة إلى الراجح مطلقا سواء كان بالوضع أو بالدليل كما ذكره أبو الخطاب في التمهيد في أصول الحنابلة فما يرى مرجوحا بالنظر إلى الوضع فقط