وهنا يضع قاعدة
تمنع من أخذ الاعتقاد من مورد الخلاف ، وإفادة الدليل اللفظيّ اليقين مختلف فيها ،
فلا يصحّ أن تؤخذ من الدليل اللفظيّ عقيدة ، على هذه القاعدة التي استقعدها هنا ،
فيسقط الكتاب من مقام الحجّة في باب الاعتقاد ، كما تسقط أغلب السّنّة من مقام
الاحتجاج بها في باب العمل عنده.
فمن يكون ملمّا
بتاريخ الأديان والنّحل والمذاهب ، لا يتردّد لحظة أنه لا توجد طائفة ترى مجموع
تلك الآراء ، فيظهر أنه ليس من طائفة من الطوائف المعروفة في كتب النّحل ، وإنما
هو أمة وحده ، لا يمثّل بكلامه طائفة من تلك الطوائف ، بل يمثّل نفسه فقط ، كما
قال الأستاذ العقاد في الأستاذ زكي مبارك.
ولا أرى بأسا في
أن أتحدّث هنا عن الدليل اللفظي ، وعن المخطئ في العلميّات ، لخطورة ما فاه به
كاتب المقال بشأنهما.
أما الدليل اللفظي
فيفيد اليقين عند توارد الأدلة على معنى واحد ، بطرق متعددة وقرائن منضمة عند
الماتريدية ، كما في «إشارات المرام» للبياضي وغيره ، وإلى هذا ذهب الآمدي في «الأبكار»
، والسعد في «شرح المقاصد» و «التلويح» ، والسيد في «شرح المواقف».
وعليه جرى
المتقدمون من أئمة هذه الأمة وجماهير أهل العلم من كل مذهب ، بل الأشعريّ يقول :
إنّ معرفة الله لا تكون إلا بالدليل السمعي. ومن يقول هذا يكون بعيدا عن القول بأن
الدليل السمعي لا يفيد إلا الظن ، فيكون من عزا المسألة إلى الأشعرية مطلقا ،
متساهلا بل غالطا غلطا غير مستساغ.
والواقع أن القول
بأن «الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقّن أمور عشرة ودون ذلك خرط القتاد»
: تقعّر من بعض المبتدعة ، وقد تابعه بعض المتفلسفين من أهل الأصول وجرى وراءه بعض
المقلدة من المتأخرين ، وليس لهذا القول أي صلة بأي إمام من أئمة أهل الحق ،
وحاشاهم أن يضعوا أصلا يهدم به الدين ، ويتّخذ معولا بأيدي المشككين ، والدليل
اللفظي القطعي الثبوت ، يكون قطعي الدلالة في مواضع مشروحة في أصول الفقه.
وأما ما أجمله
الفخر الرازي في «المحصّل» فقد أوضحه في «المحصول» و «نهاية العقول» ، واعترف
فيهما بأن القرائن قد تعيّن المقصود ، فيفيد الدليل اللفظيّ اليقين ، فيفلت بذلك
من أيدي المشككين إمكان التمسك بقول الرازي في «المحصل» في باب