ومنها قوله : «إنّ الأدلة النقلية لا تفيد اليقين ، ولا تحصّل الإيمان المطلوب ، ولا تثبت بها وحدها عقيدة عند كثير من العلماء ، والذين ذهبوا إلى أنها تفيد اليقين ، وتثبت العقيدة ، شرطوا في الدليل النقليّ أن يكون قطعيّ الورود ، قطعيّ الدلالة» ، وذكر أمثلة للنوعين على رأي الفريق الثاني ، ثم قال : «ولا بد أن يعمّ العلم بالعقائد جميع الناس ، ولا يختصّ بطائفة دون أخرى ... ومن مقتضيات هذا العلم العامّ بها أن لا يقع خلاف بين العلماء في ثبوتها أو نفيها ، والعلميّات المختلف فيها ليست من العقائد».
فعلى هذا لا يكون أحد سالم العقيدة والإيمان ما لم يعتقد جميع الناس ما اعتقده هو ، وما لم تعلم كافّة البشر ما علمه هو ، فلا يمكن للأشعرية أو الماتريدية مثلا أن ينفردوا بعقيدة تكون حقا ، ما لم يشاركهم باقي الفرق فيها ، فتكون النّحل كلّها على قدم المساواة ، وتزول الحواجز بينها ، ويرتع الغنم مع الذئاب في مرتع واحد!! فتكون النّحل موحدة بفضل هذا الاجتهاد الجديد!!.
ومنها قوله : «إن ما اختلف فيه العلماء في باب العقليات ، والعلميّات ، كاختلاف الفقهاء في العمليات ، في عدم التضليل والتفسيق ، فضلا عن التكفير».
والعلماء في نظره أعمّ من علماء أهل الحق وزعماء سائر الفرق من أيّ نوع كان بدعتهم.
وهو يفرض أن الدليل القطعيّ البيّن عند هذا ، يكون بيّنا معلوما عند الجميع ، وأنّ الناس كلّهم سواسية في العلم والفهم!! فتتمّ بتلك المبادئ تصفية كتب العقائد في الإسلام ، وتنزيل مسائلها إلى عشر معشارها!! وفي ذلك الاقتصاد التامّ في العقيدة ، والاقتصاد مطلوب في كل شيء!!
هذا هو منزع صاحبنا ، فما يجب اعتقاده في نظره هو ما اتّفق عليه أرباب النّحل ، ويكون الناس أحرارا في اعتقاد ما يشاءون ، في مواضع الخلاف بين الفرق بدون أي لوم وتثريب!! وقد سبق منه تنويع السّنّة إلى أنواع (١) ، لا يكون للوحي شأن إلا في النّزر اليسير منها ، فتسقط أغلب السّنّة من أن تصلح للاحتجاج بها في باب العمل ، فضلا عن باب الاعتقاد ، رغم ما يقرّره فخر الإسلام في ذلك ، مع افتتان الكاتب بالنقل عنه فيما يهواه.
__________________
(١) وذلك في مقالاته التي كتبها بعنوان (شخصيات الرسول).