«نقول ما قاله ربنا» وأين قال ربنا : إنه بائن من خلقه. ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، فقد نسبت إلى قول الله ما لم يقله ، ومن هو المعطل الذي عنيته فإنا لا نعرف اليوم أحدا معطلا يتظاهر بين المسلمين بل ولا معتزليا ولا فيلسوفا يتظاهر بقول الفلاسفة (١) فلعلك عنيت الأشعرية فإنهم القائمون اليوم من أكثر المذاهب ثم قال (٢) : «فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك ثم أسرها في نفسه وخلا بشياطينه وبنى جنسه وأوحى بعضهم إلى بعض أصناف المكر والاحتيال وراموا أمرا يستحمدون به إلى نظرائهم من أهل البدع والضلال وعقدوا مجلسا بيتوا فيه ما لا يرضاه الله من القول وراموا استدعاء المثبت ليجعلوا نزله ما لفقوه من الكذب وتمموه فلم يتجاسروا وخذلهم المطاع فمزق ما كتبوه من المحاضر ، فسعى في عقد مجلس عند السلطان فلم يذعنوا فطالبهم بإحدى ثلاث : مناظرة فأبوا ، فدعاهم إلى مكاتبة فأبوا ، فدعاهم إلى المباهلة (٣) بين الركن والمقام فلم يجيبوا فحينئذ عقد المثبت لله مجلسا بينه وبين خصمه وما كان أهل التعطيل أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون».
هذا كله مقصوده به والله أعلم طوائف الأشعرية الشافعية والمالكية والحنفية الذين كانوا مقاومين لابن تيمية فهم الذين يسميهم المعطلة ، وكان مراده بالمثبت ابن تيمية والعاقد للمجلس فيما بينه وبين خصمه إما ابن تيمية وإما هذا النحس المتشبع بما لم يعط.
__________________
(١) هذا بالنظر إلى عهد المؤلف ، فإن العلماء كانوا قائمين بواجبهم إذ ذاك يوقفون المبتدعة الذين يحاولون الاعتداء على حريم قدس الدين عند حدهم وما ألف في الرد على هذا الزائغ وشيخه من الكتب في ذلك العصر يعد بالعشرات فضلا عن باقي أهل الضلالة. وأما اليوم فقلّما تجد بين العلماء من يسهر على السنة النقية البيضاء والدين الحنيف فاتسع المجال لتمويه الضلال. وأدعو الله سبحانه أن يوقظ أهل الشأن من سباتهم العميق ويرشدهم إلى حراسة الشرع من اعتداء المعتدين.
(٢) مما اختص به ناظم القصيدة من بين دعاة الحشوية تصوير مناظرات في مسائل يدس في غضون كلام الطرفين ما يشاء من وسائل استدراج الضعفاء إلى ضلاله وهذه طريقة الأقدمين من أعداء الدين بعثها من مرقدها هذا الناظم ليصل إلى إضلالهم بطريقة روائية خيالية فمن مشى على الاستسلام له فيما يراه من مناظراته الخيالية في هذا الكتاب وفي شفاء العليل وأعلام الموقعين ونحوها فإنه معرّض للانحلال وسنكشف الستار عن وجوه تضليله وتدجيله بحول الله وتوفيقه.
(٣) راجع الآية ٦١ من سورة آل عمران.