ومن هنا نستطيع أن نقرر أن العلميّات التي لم ترد بطريق قطعي أو وردت بطريق قطعي ، ولكن لابسها احتمال في الدلالة ، فاختلف فيها العلماء ، ليست من العقائد التي يكلفنا بها الدين ، والتي تعتبر حدا فاصلا بين الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون.
٤ ـ هذه المبادئ التي ذكرنا تنير سبيل البحث لمن يريد معرفة الحق فيما هو من العقائد وما ليس منها ، وهي مبادئ مسلمة عند العلماء يعرف كل مطلع على كتبهم ومناقشاتهم أنه لا نزاع فيها (١).
وعلى ضوء هذه المبادئ نستقبل قول الذين زعموا «أن رفع عيسى ونزوله آخر الزمان ثابتان بالكتاب والسنّة والإجماع».
ولنا في ذلك نظرات ثلاث : نظرة فيما ذكروا من آيات ، ونظرة فيما ساقوا من أحاديث ، والنظرة الثالثة فيما ادّعوا في هذا المقام من إجماع.
نظرة فيما ساقوا من آيات :
فأما الآيات التي تذكر في هذا الشأن فنحن نرجعها إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : آيات تذكر وفاة عيسى ورفعه ، وتدل بظاهرها على أن الوفاة قد وقعت ، وهذه الآيات هي :
١ ـ قوله تعالى في سورة آل عمران : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥].
٢ ـ قوله تعالى في سورة النساء : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [النّساء : ١٥٧] إلى قوله : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٧ ، ١٥٨].
٣ ـ قوله تعالى في سورة المائدة : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ١١٧].
وقد تناولنا هذه الآيات في الفتوى ودرسناها دراسة علمية واضحة ، وعرضنا إلى آراء المفسرين فيها ، وبينّا أنه ليس فيها دليل قاطع على أن عيسى رفع بجسمه إلى السماء ، بل هي ـ على الرغم مما يراه بعض المفسرين ـ ظاهرة بمجموعها في أن
__________________
(١) راجع فصل «طريق ثبوت العقيدة» من كتابنا «الإسلام عقيدة وشريعة».