فإن احتجوا فقالوا : لو جاز عليه سبحانه وتعالى الرؤية بالأبصار لوجب أن يكون جسما ، أو جوهرا ، أو عرضا ، أو محدودا ، أو حالا في مكان ، أو مقابلا أو خلفا ، أو عن يمين ، أو عن شمال ، أو يكون من جنس المرئيات ؛ لأننا لم نعقل مرئيا بالبصر إلا كذلك ، فلما استحال عليه جميع هذه الوجوه بطل أن يكون مرئيا ، أو يجوز عليه الرؤية ، وهذا في تصورهم الفاسد من أعظم الحجج عندهم في نفي الرؤية عنه سبحانه وتعالى ، وهي عند أهل السنة والجماعة [من أسقط الحجج] فليس هو اليوم مرئيا لخلقه ومدركا لهم ، ولا تجوز الإشارة في وصفه تعالى.
فالجواب أن نقول لهم : هذه الحجة الباطلة تؤدي إلى إبطال الربوبية أصلا ورأسا ، أو تؤدي إلى إيجاب كون ربنا تعالى يشبه المخلوقات ، لأن من أنكر الصانع القديم يقول لنا : لو كان لنا صانعا لوجب أن يكون جسما ، أو جوهرا ، أو عرضا ، أو ذا علة وطبع وآلة ، وغير ذلك ؛ لأنا لم نعقل صانعا إلا على هذه الأوصاف ، وأنتم تنفون عنه جميع هذه الأوصاف ، فبطل أن يكون ثم صانع ، بل تصنع نفسها أو يصنعها من هو على هذه الأوصاف ، وكذلك نقول : في العلم والحياة ، لأن العالم ، والحي ، لا يعقل إلا جسما ، أو جوهرا ، أو عرضا ، أو ذا علة أو فكر ، أو روية وغير ذلك. وقد وقع الإجماع منا ومنكم أنه عالم ، وأنه حي ، وأنه معلوم بالقلب ، وأنه موجود ؛ ثم كونه عالما ومعلوما ، وموجودا يصح وصفه بجميع ذلك ، وإن لم يكن جسما ، ولا جوهرا ، ولا عرضا ، ولا ذا علة ، ولا محدودا ولا حالا في مكان ، بخلاف العالم منا ، والمعلوم منا ، والموجود منا ، فكذلك لا يستحيل أن يكون مرئيا وليس ذا جسم ولا جوهر ولا عرض ، فبطل زعمكم وصحّ الحق وظهر أمر الله وأنتم كارهون.
فإن احتجوا فقالوا : لو كان تعالى مرئيا ، أو تجوز عليه الرؤية لرأيناه الساعة لأن الموانع من الرؤية يستحيل وصفه بها ؛ لأنه لا يوصف بالدقة والرقة ، والحجاب والبعد ، وكل مانع من الرؤية ، فلو جاز أن يكون مرئيا لرأيناه الساعة لانعدام هذه الموانع في حقه.
فالجواب : أن جميع ما ذكرتم لا يمنع من الرؤية ، لأن الملائكة فيهم من الدقة ، واللطافة ، ما ليس في غيرهم ، وبعضهم يرى بعضا ، والميت يراهم عند النزع ، والرسول كان يرى جبريل عليهالسلام ، فبطل أن تكون الدقة ، والرقة ، واللطافة ،