أحدها : أن ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة قد صرحوا بأن محمدا رأى ربه ليلة أسري به بعيني رأسه ، ولو كان ذلك مستحيلا لم يقع الخلاف فيه بين الصحابة ، كما لم يقع بينهم الخلاف في ما هو مستحيل على الله تعالى من الولد والزوجة والشريك ونحو ذلك. فلما وقع بينهم الخلاف في ذلك وانقرض عصرهم على ذلك ، دلّ على أن الرؤية جائزة غير مستحيلة. فبطل ما ذكر.
وجواب آخر : وهو أن عائشة رضي الله عنها إنما خالفت فيما رأى به محمد ربه ، فعندها رآه بالقلب دون العين ، وعند غيرها من الصحابة رآه بالقلب والعين معا ، فقد وقع الإجماع منهم على جواز الرؤية عليه تعالى ، وإنما اختلفوا فيما به رآه ، لا أصل جواز الرؤية عليه ، لأن رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم رؤية حقيقية لا رؤية مجاز ، بخلاف الواحد منا ، لأن رؤيته بالقلب قد تكون حقيقة وقد تكون تخيلا ومجازا ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «تنام عيناي ، ولا ينام قلبي» وقال عليهالسلام : «إني أراكم من وراء ظهري» ورؤية الأنبياء عليهمالسلام حقيقة بالقلب والعين.
دليلة : قصة إبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [الصّافات : ١٠٢] فصحّ أن الإجماع قد وقع من الصحابة رضي الله عنهم في جواز الرؤية على الله تعالى ، وإن وقع الخلاف بما رآه الرسول الله تعالى ليلة الإسراء ، فصار ذلك حجة على المخالف لا له.
جواب آخر : وهو أن عائشة رضي الله عنها إنما أنكرت رؤية الباري بأبصار العيون في دار الدنيا ، لا على الإطلاق ، ولهذا روي عن أبيها وعنها رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة أنهم فسروا قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] قالوا : الزيادة النظر إلى الله تعالى في الجنة ، وقد روي هذا مرفوعا عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فصحّ مذهب أهل السنة والجماعة بحمد الله تعالى ، وبطل شبه المخالف واندحض مكره. ولله المنّة والحجة البالغة (١).
__________________
(١) رؤية أهل الجنة لله سبحانه مجردة عند أهل الحق من المقابلة والمسافة ونحوهما من لوازم الجسمية ، على خلاف الرؤية في الشاهد ، بأدلة تنزه الله سبحانه من أن يكون جسما أو جسمانيا ، وهذا موضع اتفاق بين الفريقين سوى الحشوية ، فيجب أن يكونا متفقين أيضا على حصول معرفة ضرورية بالله سبحانه لهم في الجنة فوق معرفتهم الاستدلالية الغيبية به تعالى في دار الدنيا ، كما هو الفرق بين الإيمان بالغيب والإيمان بالشهود. وما عدا ذلك شغب يأباه المحصلون. نسأل الله الصون من معاندة الحق ونسأله التوفيق وجمع الكلمة حول الصدق (ز).