البغداديين منهم : أنه تعالى لا يرى شيئا ، إنما المراد بالإدراك العلم ، فهو يعلم الأبصار عندهم ، والأبصار لا تعلمه ، فبطل احتجاج الجميع منهم بهذه الآية ، لأن عندهم لا يراد بالإدراك الرؤية ، فلا يصح لهم الاحتجاج بها في نفي الرؤية.
جواب آخر : وهو أن الآية لا حجة فيها ، لأنه قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ولم يقل لا تراه الأبصار ، والإدراك بمعنى يزيد على الرؤية ، لأن الإدراك : الإحاطة بالشيء من جميع الجهات ، والله تعالى تعالى يوصف بالجهات ، ولا أنه في جهة ، فجاز أن يرى وإن لم يدرك ، وهذا كما قال تعالى في قصة اللعين فرعون : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) [يونس : ٩٠] يعني أحاط به من جميع جوانبه ، فالغرق لا يوصف بأنه يرى ، وإنما يوصف بأنه أحاط بالشيء. كذلك المؤمن يوصف بأنه يرى ربه ولا يدركه بالإحاطة ، وهذا كما نقول : إنا نعلم ربنا ، ولا نقول إنا نحيط بربنا ، فكما كانت الإحاطة معنى يزيد على العلم كذلك الإدراك معنى يزيد على الرؤية ، وهذا صحيح. لأنا نجمع بين قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمّد : ١٩] وبين قوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠] ونجمع بين قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] وبين قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] فنقول : معلوم ولا يحاط به ، ومرئي ولا يدرك. فصحّ ما قلناه ، وبطل قول الغير.
جواب آخر : أن معنى الآية لا تدركه الأبصار في الدنيا ، وإن جاز أن تدركه في الآخرة ، ليجمع بين قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] وبين قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٣].
جواب آخر : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] يعني أبصار الكفار دون المؤمنين ، ليجمع بين قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] وبين قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)) [المطفّفين : ١٥] وهذا صحيح ؛ لأن الحجاب لما كان للكفار دون المؤمنين ، كذلك الرؤية للمؤمنين دون الكفار.
جواب آخر : وهو أن أبصار الخلق لا تدركه في الدنيا والآخرة ؛ لأن هذه الأبصار جعلت للفناء ، وإنما يحدث لهم بصرا غير هذا البصر ، ويكون باقيا غير فان فيرى الباقي بالباقي ، وقد قيل : إنه تعالى يحدث لأوليائه حاسة سادسة غير هذه الحواس الخمس يرونه بها. وقال هذا القائل : الله أخبر في كتابه العزيز : أنه من أهل