(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)) [المطفّفين : ١٥] والحجب للكفار عن رؤيته عذاب. فدلّ على أن المؤمنين غير محجوبين ، ولا يعذبون بعذاب الحجاب. فاعلم ذلك.
ويدل على ذلك أيضا الأخبار التي قدّمنا ذكرها عند سؤال الصحابة مع قوله عليهالسلام في دعائه إنه قال : «اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضر ـ أو مضر ـ ولا فتنة مضلة» وهذا أيضا تصريح من الرسول عليهالسلام في جواز الرؤية ، وأنها غير مستحيلة ، لأنه لا يسأل صلىاللهعليهوسلم في أمر مستحيل ، لا سيما بعد تقدم موسى عليهالسلام في سؤال الرؤية ، وما كان منه ، فلو كانت غير جائزة أو مستحيلة لما سألها صلىاللهعليهوسلم ، فلما سألها دل على الجواز ، وبطل ما قال أهل العناد. وبالله التوفيق.
ويدل على صحة جواز الرؤية إجماع الصحابة على جوازها في الجملة ، وإنما اختلفوا هل عجلها لنبيه صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج أم لا؟ على قولين ، ولو لم يقع الاتفاق منهم على جوازها ، لما صحّ هذا الاختلاف ، فلما وقع هذا الاختلاف فقال بعضهم : عجل ذلك له في الدنيا قبل الآخرة. وقال البعض : لم يرد دليل على الجواز في الجملة وأنه متفق عليه ، وإلا كان يقول لمن قال بأنها لم تعجل : فكيف تجوز الرؤية وهي مستحيلة عليه ، فلما لم يقل ذلك أحد منهم دلّ على إجماعهم على جوازها. فاعلم ذلك.
ويدل على ذلك من جهة العقل : أنه تعالى موجود ، والموجود لا يستحيل رؤيته ، وإنما يستحيل رؤية المعدوم. وأيضا فإنه تعالى يرى جميع المرئيات ، وقد قال تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤)) [العلق : ١٤] وقال : (الَّذِي يَراكَ) [الشّعراء : ٢١٨] وكل راء يجوز أن يرى ؛ ولا يجوز أن تحمل الرؤية منه تعالى على العلم ، لأنه تعالى فصل بين الأمرين ، فلا حاجة بنا أن نحمل أحدهما على الآخر ، ألا ترى أنه سمى نفسه عالما ، وسمى نفسه مريدا ، ولا أن نحمل الإرادة على العلم ، كذلك لا نحمل الرؤية على العلم. فاعلمه.
جواب آخر : وهو أن الصحابة سألوا الرسول عليهالسلام : هل نرى ربنا؟ فقال : «نعم» ولا يجوز أن يكون سؤالهم : هل نعلم ربنا أو يعلمنا ربنا ؛ فبطل قول من يحمل الرؤية على العلم ، ولهذا أجاب صلىاللهعليهوسلم : «سترونه كما يرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب وكما ترى الشمس ليس دونها سحاب» يعني لا تشكون في رؤيته كما لا يشك [من] رأى القمر والشمس فيها ، فشبّه الرؤية بالرؤية في نفي الشك عن الرائي ، ولم يشبه المرئي بالمرئى. فاعلم ذلك.
* * *