أحدهما : أنا نقول نأمره بالتمسك بالتوحيد والإيمان دون فعل الذنوب ، لأن الشفاعة لا تنال بالذنوب ، وإنما تنال بالإيمان دون الذنوب ، وهذا كما أن زيدا يشفع في ذنب صديقه ، أو قريبه ، أو حبيبه في دار الدنيا إلى من ملك إسقاط ذلك ، لا يقال إنه نال ذلك بالذنب الذي أذنب أو الخطأ الذي أخطأ ، وإنما ناله بالصداقة المتقدمة أو القرابة المتقدمة أو السؤال المتقدم ، لا نفس الذنب ، ونأمره أيضا بفعل الطاعات حتى ينال بذلك شفاعة الرسول عليهالسلام في الزيادة له من البر والنعيم ونحو ذلك.
الجواب الثاني : أنا نعارضكم بمثل هذا : لا تجدون أنتم عنه محيصا ، فنقول لكم : ما تقولون فيمن سمع قوله تعالى : (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة : ٢٢٢] فحلف رجل بالطلاق الثلاث ليفعلن فعلا يجب عليه فيه التوبة أو الاستغفار حتى يتوب منه ويستغفر ، ما تأمرونه؟ فإن قالوا : نأمره بالطاعة ، وفعل الخير. قلنا لهم : هذا لا يصح ؛ لأن الإنسان لا يجب عليه التوبة أو الاستغفار من فعل الطاعة والخير بإجماع المسلمين. وإن قلتم : نأمره بفعل المعاصي والذنوب حتى تجب عليه التوبة والاستغفار فيتوب ويستغفر حتى يتخلص من يمينه فقد استحللتم ما حرّم الله وأمرتم بما لا يجوز لمسلم أن يأمر به. وإن قلتم : لا نأمره بفعل المعصية ولكن إن ابتلي بشيء من ذلك قلنا له قد فعلت ما وجب به عليك التوبة والاستغفار وزوال حكم اليمين. قلنا لكم : نحن أيضا نقول لمن حلف ليفعلن فعلا ، يجوز أن يشفع فيما يستحق عليه من العقاب شفاعة الرسول عليهالسلام ، نقول له تمسك بالطاعة والإيمان ، فإن ابتليت بشيء من المعاصي فقد خرجت من اليمين ، ويجوز أن يشفع لك الرسول ، لا أنا نأمره بالمعصية بوجه من الوجوه.
* * *
رؤية الله تعالى
اعلم أن رؤية الله تعالى جائزة من جهة العقل ، وهي واجبة للمؤمنين في الآخرة من طريق الشرع ، وبها نختم الكتاب إن شاء الله تعالى بعونه وتوفيقه ، وإنما ختمنا بها لأنها أعلى الأشياء وأجلها ، وبها يختم للمؤمنين المصدقين لها حتى يستحقروا كل نعيم في جنبها ، جعلنا الله من أهلها بمنّه وفضله ، إنه جواد كريم.
اعلم أن أهل السنة والجماعة قد جوّزوا الرؤية على الله تعالى شرعا وعقلا بلا خلاف بينهم على الجملة ، وإنما وقع الخلاف بينهم هل يكون ذلك ويجوز في الدنيا أم ذلك في الآخرة خاصة.