والقمر واحد ، لكن لما جمعه مع الشمس سماهما قمرين. وكأنه تعالى لما علم من الكفار ومنكم أن تجعلوا معه غيره خالقا قال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] على زعمهم أن معه غيره ، وهذا كقوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الرّوم : ٢٧] على زعمكم ، لأن عندهم أن النشأة أهون من الإعادة ، فذكر ذلك على سبيل الرد عليهم والإنكار لقولهم إن معه خالقا غيره ، لا أنه أثبت معه خالقا غيره.
جواب آخر : وذلك أن لفظة أفعل في كلام العرب : يراد بها إثبات الحكم لأحد المذكورين وسلبه الآخر من كل وجه ، وذلك في قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤)) [الفرقان : ٢٤] فأثبت حسن المقيل لأهل الجنة ، مع حسن المستقر ، وسلب ذلك عن أهل النار أصلا ورأسا ، لأن أهل النار ليس لهم حسن مستقر ولا حسن مقيل ، فكذلك قوله تعالى : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] أثبت الخلق له وأنه هو المنفرد به دون غيره. وكذلك يقول القائل : العسل أحلى من الخل لا يريد أن للخل حلاوة بوجه ، بل يريد إثبات الحلاوة للعسل وسلبها عن الخل أصلا ، ورأسا ، فكذلك قوله : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] أثبت الخلق له دون غيره.
فإن احتجوا بقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣] فكيف يجوز أن يكون خالقا لكفر الكافرين ، وعصيان العاصين ، وفيه من التفاوت غير قليل.
فالجواب : أن هذا سوء فهم ، وذلك أن هذا أراد به سبحانه وتعالى خلق السموات في الصورة ، وأنه ليس فيها فطور ولا شقوق ، أجمع المفسرون على ذلك ، فلا حجة لكم فيها ، ثم إن أول الآية حجة عليكم ، لأنه قال : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢] وبين الموت والحياة تفاوت ، وهو خالق الجميع لا خالق لذلك غيره ، فكذلك كفر الكافرين وإيمان المؤمنين وإن كان بينهما تفاوت في الحكم فليس بينهما تفاوت في الإيجاد والاختراع وإحكام الخلق ، فصحّ أن الآية حجة عليهم لا لهم.
فإن احتجوا بقوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] فلو كان الله الخالق لوكزة موسى لقال : هذا من عمل الرّحمن ، الجواب من وجهين :
أحدهما : أن قول موسى هذا القول على وجه الأدب ، أي : إني أرتكب ما نهيت عنه من شره النفس ووسوسة الشيطان ، ألا تراه قال في ضلال السبعين من قومه