الألفاظ في التلاوة وكيفية مخارجها ونقص حروفها وزيادتها ووجوه إعرابها ، كالذي اختلف فيه القراءات ، فقرأ بعضهم : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران : ١٣٣] بغير الواو ، وقرأ آخرون بواو ، وقرأ بعضهم «فيكون» بالنصب في مواضع ، وقرأ آخرون فيكون بالرفع فيما نصبه الأولون ، وقرأ بعضهم : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) [البقرة : ٣٧] فنصب آدم ورفع كلمات وهو ابن كثير ، وقرأ آخرون برفع آدم ونصب كلمات ، إلى نحو هذا مما لا يحصى عددا ، فبطل احتجاجهم بالإجماع مما نقل عن الرسول والصحابة والتابعين أن أحدا منهم قال إنه أريد بالسبع حروف التهجي ، وإنما المراد به اختلاف القراءات دون غيرها ما روي أن عمر رضي الله عنه مرّ ببعض الصحابة وهو يقرأ سورة الفرقان على خلاف القراءة التي أقرأه إياها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال عمر : فكدت أن أساوره ، يعني أعجل عليه. فأبطش به ، ثم قال : لببته حتى أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على خلاف القراءة التي أقرأتنيها فقال : خلّ عنه. ثم قال : اقرأ ، فقرأ عليه القراءة التي سمعتها فقال : هكذا أنزل. ثم قال : اقرأ يا عمر ، فقرأت عليه القراءة التي أقرأنيها فقال : هكذا أنزل. ثم قال : «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، الكل شاف كاف فاقرءوا ما تيسر منه» فأد هذا الحديث وجوها :
أحدها : أن الحروف واختلافه صفة القراءة التي يجوز فيها الاختلاف ، لا كلام الله القديم الذي لا يجوز فيه الاختلاف (١).
الثاني : أن عمر ما أنكر عليه أن القرآن المقروء بقراءته كلام الله ، إنما أنكر عليه القراءة التي هي صفة القارئ وظن أن هذه القراءة فاسدة وقراءته أعلمه الرسول عليهالسلام أن كل واحدة من القراءتين جائزة ، وإن اختلفا ، لأن المقروء بها لا يختلف لاختلافها.
الثالث : أن الرسول أخبر أن القرآن يقرأ على سبع قراءات ، وأن تعدد القراءات لا يدل على تعدد القرآن ؛ لأن السبع المقروء بها واحد ، وهو كلام الله القديم ، الذي لا يشبه كلام الخلق ، ولا يختلف في حال من الأحوال ، وإن اختلفت القراءات. فافهم التحقيق ترشد إن شاء الله تعالى.
* * *
__________________
(١) كان أحمد يقول : القرآن من علم الله وعلم الله غير مخلوق : فما تواتر من زيادة ونقص كلاهما أبعاض القرآن باعتبار الوجود العلمي ، فلا وجاهة في هذا الجواب (ز).