أحدهما : أن يقال لهم : ما أنكرتم أن تكون هذه الآية حجة عليكم ، وذلك أن كل عاقل يقول : إن المشرك لا يسمع كلام الله بلا واسطة ، وهي قراءة القارئ ، فلا بد من وجود القراءة التي هي حروف وأصوات ، فيحصل لهذا المشرك السماع حينئذ لكلامه تعالى ، فحصل معنا عند ذلك مسمع أسمع كلام الله بإسماع أوجده ، وهي قراءته التي هي حروف وأصوات ، ومسموع وهو كلام الله تعالى الذي لا يجوز أن يكون حروفا وأصواتا ، لأن الحروف والأصوات يتقدم بعضها على بعض ، وصار هذا بمنزلة من أسمعنا الله بذكره ، بأن قال : يا الله. قلنا : حصل معنا مسمع وهو الذاكر ، وإسماع أسمعنا به المسموع ، وهو المذكور ، فالإسماع يقع بحروف وأصوات ، فيجوز لكل أن يقول : إن الله المذكور هو حروف وأصوات (١).
الجواب الثاني : أن المراد بهذه الآية ما هو سماع الحروف والأصوات إنما المراد بهذه الآية : حتى يتدبر كلام الله ويفهم ما فيه. لعله يرجع عن شركه ويهتدي ، فالحروف والأصوات لا تهدى ، إنما الذي يهدى هو القرآن الذي هو كلام الله تعالى. دليله : قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩].
جواب ثالث : وهو أن يقال لهم : إذا كان الكلام القديم أصواتا وحروفا.
والكلام المخلوق الذي من الشعر والخطب أصواتا وحروفا ، فقد صار الكلام القديم كالكلام المخلوق ، وهذا القول يوجب أن يكون كل كلام قديم أو محدث [سواء] لأن الحرف والصوت في قول القائل إذ أخبر عن قول اللعين فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النّازعات : ٢٤] فاعبدون ، فصورة الحروف في قول فرعون أنا ربكم ، كصورتها في قراءة القارئ (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٩٢] ، فصحّ أن الحروف والأصوات ليست [كلام] فرعون ، ولا الرب تعالى ، فالحرف والصوت يعبر به عن كلام فرعون ، ويقرأ به كلام الله تعالى ، فصحّ ، أن الحرف والصوت أداة يقرأ بها الكلام القديم ، لا أن الحرف والصوت نفس الكلام القديم.
جواب رابع : وهو أن يقال لهم : خبرونا عن قولكم إن الله تعالى متكلم بأصوات وحروف ، أهي هذه الحروف والأصوات الجارية الدائرة في سائر كلام الخلق ، أو غيرها؟ فإن قالوا : هي هذه فقد جعلوا جميع كلام الخلق قديما كله ؛ وإن قالوا : بل هي غير هذه الحروف والأصوات الجارية في كلام الخلق. قلنا : فصحّ
__________________
(١) يعني الاسم المسمى (ز).