والمد ، واللين الذي هو صفة القارئ ومد صوته ولينه راجع إلى الكلام القديم الأزلي فقد جهل الله تعالى وصفات ذاته ، وصرح بحدوث القرآن وخلقه. وأيضا ما روى النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن» وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «النظر في كتاب الله عبادة» وروى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطوا أعينكم حظها من العبادة ، قالوا : يا رسول الله وما حظها من العبادة؟ قال : قراءة القرآن نظرا ، والاعتبار والتفكر فيه» وقال ابن مسعود : «النظر في المصحف عبادة» فقد اتضح بهذه الأخبار الفرق بين القراءة والمقروء ، لأن الرسول صلىاللهعليهوسلم جعل قراءتنا عبادة منا ، والعبادة منا صفتنا التي نثاب عليها ونؤجر ، وذلك أن الله تعالى وصف عبادته على الأعضاء ، وكل عضو من ابن آدم مخصوص بنوع من العبادة ، فالقلب مخصوص بالعلم بالله تعالى وبمعرفته وبحفظ كلامه ، والإيمان به وبكلامه ، ثم المعرفة غير المعروف ، والعلم غير المعلوم ، والإيمان غير المؤمن به ، والحفظ غير المحفوظ ، لأن العلم صفة العبد ، والمعلوم الرب تعالى ، وكذلك الإيمان صفة للعبد ، والمؤمن به هو الله تعالى. وكذلك الحفظ صفة العبد لم يكن يحفظ ثم صار حافظا ، والمحفوظ كلام الله القديم الذي لا يتصف بأنه لم يكن ثم كان بل قديم موجود بوجود الحق سبحانه وتعالى ، موجود قبل الحفظ وبعده ، واللسان مخصوص من العبادة بالذكر لله تعالى والتسبيح له والدعاء له ، وقراءة كلامه ، ثم الذكر صفة الذاكر ، والمذكور هو الله تعالى ، والتسبيح صفة المسبح ، والمسبّح هو الله تعالى ، والدعاء صفة الداعي والمدعو هو الله تعالى. كذلك القراءة صفة القارئ التي هي له عبادة وطاعة ، والمقروء كلام الله القديم الموجود قبل القارئ وقبل قراءته. فافهم إن كان لك فهم.
وعبادة العين : النظر في المصحف ، والتفكر في الآيات من كلام الله تعالى ، فالناظر إنما يثاب على نظره الذي هو صفة لا على المنظور فيه الذي هو صفة الله تعالى. ولهذا المعنى : أن من كان أكثر قراءة ونظرا وتفكرا كان أكثر ثوابا ممن نظر أقل من نظره ، وقرأ أقل من قراءته ؛ فالزيادة والنقصان إنما يكونان في أفعال العباد التي تتصف بالشيء وضده فأما القديم الذي هو كلام الله فلا يتصف بالشيء وضده. فاعلم ذلك وتأمله تهد إن شاء الله.
ويدل على الفرق بين القراءة والمقروء ، ما روي عنه صلىاللهعليهوسلم من طرق عدة : أنه قال : «خذوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل» ثم خصّ عبد الله بن مسعود فقال : «من سرّه أن يقرأ القرآن