نعم ، يمكن المناقشة فيما ذكرناه بابتنائه على انحلال العلم الإجمالي بالتقييد ، والانحلال مبني على عدم التمسّك بالإطلاق في جانب الهيئة ـ وإلّا لم يكن تقييد المادّة متيقّنا ـ فيلزم من الانحلال عدم الانحلال.
وربما يقدّم تقييد المادّة بوجه آخر ، وحاصله أنّ الأمر دائر بين تقييد مع ما بحكم التقييد ، وبين تقييد ساذج ، والتقييد الساذج مقدّم.
توضيحه : أنّ القيد إن رجع إلى الهيئة منع من انعقاد مقدّمات الحكمة في جانب المادّة ، وذلك في قوّة تقييد آخر ، لأنّه يشارك التقييد في كونه خلاف الأصل بخلاف ما إذا رجع إلى المادّة ، فكان الأمر دائرا بين مخالفة أصل واحد وبين مخالفة أصلين ، ومن المعلوم وجوب تقليل مخالفة الأصل مهما أمكن.
لكنّك عرفت عدم الدوران وانحلال الإطلاق في جانب المادّة بالقطع التفصيلي ، فتبقى أصالة الإطلاق في جانب الهيئة بلا مزاحم ، لو لا المناقشة التي ناقشناها.
وقد يجاب عنه بمنع كون ما بحكم التقييد خلاف الأصل ، وإنّما خلاف الأصل رفع اليد عن الظهور المنعقد لا دفع الظهور عن الانعقاد.
ويدفعه : أنّه لو لم يكن دفع الظهور خلاف الأصل فما معنى أصالة عدم التقييد لدى الشكّ في القيد المتّصل؟! بل كان اللازم الحكم بالإجمال حينئذ ، مع أنّ أحدا لم يفرّق بين الشكّ في القيد المتّصل والمنفصل في جريان أصالة العدم.
وهاهنا وجه ثالث ذكروه لتقديم تقييد المادّة ، وحاصله أنّ عموم الهيئة شمولي وعموم المادّة بدلي ، وكلّما دار الأمر بين عمومين كذلك قدّم تقييد العموم البدلي ، ولذا يقدّم خطاب النهي على خطاب الأمر في مسألة اجتماع الأمر والنهي على القول بالامتناع. ولعلّ النكتة في ذلك هو أنّ الأفراد في العموم الشمولي بتمام أحوالها وكلّ أطوارها داخل تحت الحكم ، فإخراج فرد واحد منه يتضمّن قطع روابط متعدّدة من العامّ بالنسبة إلى ذلك الفرد ، وهذا بخلاف العموم البدلي فإنّ الأفراد ببعض أحوالها ـ وهو حالها الانفرادي دون الاجتماعي ـ مشمول للعامّ فتخصيصه قطع لربط واحد منه. فأشبهت بذلك دوران الأمر بين تخصيص واحد وتخصيصات متعدّدة في أنّه يقدّم الأوّل.
وهذا الوجه منظور فيه ، فإنّه لا تتعدّد شمولات العامّ الواحد في آحاده ، فتخصيصه