والمولى إنّما يسلك هذا المسلك في طريق البعث إلى المستحبّات ولا يأمر ؛ لما يرى أنّ في الأمر العقل يكره المكلّف نحو العمل ، وإكراه غيره قبيح ما لم ترفع مفسدة قبحه مصلحة راجحة في الفعل ، وليس في المستحبّات تلك المصلحة الرافعة لقبح الإكراه نحو الفعل ، فلا جرم يسلك النمط الأوسط بالبعث نحو الفعل بجعل الثواب ، فإن أوجب ذلك حركة المكلّف نحو العمل فذاك ، وإلّا فلا مصلحة قاضية بإكراهه وإجباره بأمره بالفعل أو وعيده بالعقاب.
ثمّ الوعد بالأجر والثواب في موضوع المستحبّات تارة يكون بعبارة الجملة الخبريّة وهو الغالب ، وأخرى بعبارة الجملة الطلبيّة إرشادا وتنبيها على تحقّق مناط حكم العقل بإتيان الفعل وحسنه ، وهو جلب النفع ؛ وفي ذلك دلالة بالالتزام على تحقّق الالتزام بإعطاء الأجر والثواب. وهذا شائع في أمر العمّال والأجراء ؛ فإنّ في أمرهم إشارة إلى الالتزام بدفع الأجر.
واعلم أنّ الوعد بالأجر كما هو موجود في المستحبّات ساذجا كذلك هو موجود في الواجبات منضمّا إلى الأمر بالفعل وإلى الوعيد بالعقاب ، فهناك يتوصّل المولى إلى مقصده بمقدّمات ثلاث ، ورتّب مقدّمات ثلاث : نفس الطلب ، والوعد بالثواب ، والوعيد بالعقاب. فبعض يكفيه المقدّمة الأولى في الانبعاث والحركة نحو الفعل ، وبعض لا ينبعث إلّا بالأجر وطلب الثواب ، وثالث لا يحرّكه سوى الخوف من العقاب.
وقد أشير إلى الأقسام الثلاثة في الأحاديث (١) وعبّر عن الأوّل بعبادة الأحرار وعن الثاني بعبادة الأجراء وعن الثالث بعبادة العبيد ، وهي متدرّجة في الفضل على الترتيب الذي ذكرناه. والكلّ عندنا صحيحة بلا احتياج القسمين الأخيرين إلى توسيط داعي الأمر ، ويكون طلب الأجر أو الفرار من العقاب داعيا على الداعي ، بل العبادة المأتي بها بداعي الفرار من العقاب ـ فضلا عن المأتي بها طلبا للثواب ـ صحيحة في عرض العبادة المأتي بها بداعي الأمر ، وإن كانتا أقلّ منها فضلا.
ولا فرق في الثواب بين الدنيوي منه والاخروي ، فالعبادة المأتي بها لأجل أداء الدين ،
__________________
(١) راجع وسائل الشيعة ١ : ٦٢ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٩ ، ح ١ و ٢.