المقدّمات قضت بإرسال ما حلّت فيه. والإرسال في الطبيعة هو الشيوع بحسب الأفراد وفي الفرد هو الشيوع بحسب الأحوال.
ومن جزئيّات الإطلاق الأحوالي هو الحكم بالوجوب النفسي العيني التعييني عند ما دار الأمر بين كلّ واحد وبين ما يقابله ، فإنّ الوجوب المنشأ بالصيغة أو بغيرها شخص من الوجوب ، وقد تردّد بين أن يكون نفسيّا أو غيريّا ، أو بين أن يكون عينيّا أو كفائيّا ، أو بين أن يكون تعيينيّا أو تخييريّا. فمقدّمات الحكمة فيه تقتضي إرسال هذا الشخص من الوجوب بأن يكون ثابتا ـ وجب شيء آخر أو لم يجب ، [سواء] أتى الواجب شخص آخر أو لم يأت ، أتى المكلّف بشيء آخر أو لم يأت ـ وليس هذا إلّا لازم الوجوب النفسي العيني التعييني.
وخفاء هذا المعنى على بعض الناظرين (١) أوجب أن يلتزم بأنّ قضيّة المقدّمات قد يكون هو التقييد ممثّلا بهذه الموارد ؛ زعما بأنّ الحكم بكلّ واحد من الثلاثة عند دوران الأمر بينها وبين ما يقابلها تقييد للوجوب المطلق الشامل لها ولما يقابلها ، وغفلة عن أنّ الوجوب قد خرج عن ذلك الإطلاق وتشخّص بالإنشاء والشكّ الآن في هذا المتشخّص وأنّه من أيّ القسمين. وقد عرفت أنّ مقدّمات الحكمة فيه تقتضي إرساله وسعته الوجوديّة ، وهو ينطبق على العناوين الثلاثة المشار إليها.
وأمّا اختلاف اقتضاء المقدّمات عند ما ترد على متن الطبيعة بالبدليّة والشموليّة فذاك أيضا ليس من الاختلاف في اقتضائها ، بل اقتضاؤها دائما نفي القيد وكون الطبيعة هي تمام موضوع الحكم. ولازم هذا سراية الحكم بسراية الطبيعة في أيّ أقسام الحكم كان.
نعم ، أثر هذه السراية عند ما كان الطلب متعلّقا بالفعل هو حصول الامتثال بفرد واحد لتحصل الطبيعة بذاك الفرد الواحد ، وعند ما كان متعلّقا بالترك حصول الامتثال بترك جميع الأفراد ؛ لأنّ ترك الطبيعة لا يكون إلّا بترك الجميع ، وكذلك في مورد الإباحة أو جعل شيء من الأحكام الوضعيّة ، مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) فمن اختلاف الأحكام نشأ هذا الاختلاف ، ولذا لم يزل هذا الاختلاف ثابتا حتّى عند كون الحكم مدلولا عليه بدلالة وضعيّة أو ظهور انصرافي أو مجازي.
__________________
(١) انظر كفاية الأصول : ٢٥٢.
(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.