ظهور في العموم بوجود تلك الأداة.
أمّا أنّ تكليف المعدوم جائز فبيانه : أنّ للتكليف لبّا وقشرا ، لبّه الإرادات القائمة بنفس المولى وقشره بعثه ، وكلاهما ممّا لا مانع من تعلّقهما بالمعدوم. أمّا الإرادة فإنّها تتعلّق بفعل متأخّر ممّن هو موجود فعلا ويستمرّ موجودا إلى زمان الفعل. ولازمه أن تتعلّق بفعل متأخّر من موجود متأخّر ؛ إذ الوجود فعلا ممّا لا مدخليّة له ، وإنّما المعيار الوجود في وعاء الفعل المراد ليكون الفعل مقدورا.
بل قد عرفت في بعض المباحث السابقة أنّ الإرادة تتعلّق بالمستحيل. نعم ، يقبح البعث إليه ، وهذا القبح يرتفع بالقدرة منه في ظرف العمل. والفرض القدرة منه في ظرف الامتثال لوجوده هنالك وقدرته من العمل. ويشبه أن يكون قد اختلط المقام بالتكليف بالفعل حال كون المكلّف غير موجود في ظرف الفعل ؛ فإنّ هذا باطل.
أمّا التكليف بالفعل حال كون المكلّف غير موجود في ظرف الإرادة مع وجوده في ظرف الفعل المراد فممّا لا مانع منه. فالإرادة وكذا البعث غير منوطين بوجود المكلّف حالهما ، بل يكفي فيهما وجود المكلّف حال الفعل المراد. فكما جاز تعلّقهما بفعل استقبالي من مكلّف حالي سيّما إذا كان فاقدا فعلا لشرائط التكليف فليجز تعلّقهما بفعل استقبالي من مكلّف موجود في المستقبل.
وأمّا أنّ مخاطبة المعدوم جائز فبيانه : أنّ الخطاب ـ سواء كان بأداة الخطاب أو بنفس توجيه الكلام ـ ليس إلّا إلقاء الكلام لغيره لغرض التفهيم ، وهذا معنى يحصل بالنسبة إلى المعدوم حال الخطاب كما يحصل بالنسبة إلى الموجود حاله إذا كان ممّن سيوجد ويلتفت إلى الخطاب. واعتبار وجود مخاطب فعلي ناشئ من توهّم اعتبار الالتفات الفعلي إلى الخطاب ، وهو توهّم باطل ؛ فإنّه يخاطب البعداء بالمكاتبات وبالآلات المستحدثة في أعصارنا مع تأخّر التفاتهم إلى الخطاب. فليكن البعداء في الوجود كالبعداء في المكان يخاطبون بمثل الوصايا والأوقاف والأقارير والكتب المصنّفة وغير ذلك.
واعلم أنّ لهذا البحث ثمرتين :
الأولى : أنّه متى ما انضمّ إلى اختصاص الخطاب اختصاص القصد بالإفهام كانت الخطابات مقصورة حجّيّتها بمن قصد إفهامهم. فنخرج نحن غير المقصودين بالإفهام ـ بناء