والبحث تارة مترشّحة من الاختلاف في متعلّق الأوامر والنواهي وأنّه الطبائع أو الأفراد ، فيكون البحث صغرويّا راجعا إلى أنّ المتعلّقين هل هما متّحدان ليستحيل باستحالة ذاتيّة ، أولا؟. فالقائل بتعلّقها بالأفراد يقول : نعم ، والقائل بتعلّقها بالطبائع يقول : لا.
وأخرى مستقلّة راجعة إلى البحث عن الاستحالة بالغير ومن جهة لزوم التكليف بما لا يطاق ، وعدم استحالته.
والمانع تكفيه إحدى الجهتين ، والمجوّز لا بدّ له من سدّ كلتا الجهتين. وموضوع البحث لا يختصّ بأمر ونهي خاصّ ، بل يعمّ كلّ الأوامر والنواهي من النفسيّين والغيريّين والتعيينيّين والتخييريّين والعينيّين والكفائيّين ؛ بل الأمر والنهي عنوان مطلق الطلبين ولو كانا متماثلين.
نعم ، الظاهر أنّ النهي التخييري غير معقول ؛ فإنّ المنهي عنه إن كان هو الجامع اقتضى النهي عنه ترك تمام الأفراد ، وليس كالأمر بالجامع يقتضي التخيير بين أفراده عقلا ، وإن كان هو الأفراد تخييرا كان مرجعه إلى النهي التعييني عن الجمع بين الأطراف في الوجود ، فلا مانع حينئذ عن الإتيان ببعض الأطراف ، فإذا لم يكن منه مانع جاز أن يتّحد مع المأمور به. فإذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا ونهي عن المجالسة مع الأغيار والدخول في الدار كذلك ، جاز أن يصلّي في الدار لفرض جواز دخولها ، فما المانع عن الصلاة فيها؟ نعم ، لو صلّى في الدار جالسا في الصلاة مع الأغيار كان ذلك من اجتماع الواجب مع الحرام التعييني ، كما أنّه لو كان جالسا مع الأغيار سابقا حتّى تعيّن عليه ترك الدخول في الدار لم يجز له أيضا أن يصلّي فيها ، وكان ذلك أيضا من اجتماع الواجب مع الحرام التعييني.
ثمّ إنّه يمكن التعبير عن مسألة واحدة بتعبيرات مختلفة كان مال كلّها إلى معنى واحد ، فتارة يقال : هل يجوز اجتماع الأمر والنهي ، أولا؟ وأخرى يقال : مع توجّه النهي هل يبقى أمر ، أولا؟ وعلى هذا فقد يتوهّم أنّ مرجع هذه المسألة ومسألة اقتضاء النهي للفساد إلى واحد واختلافهما في التعبير فقط ، فتعبير المقام كما في الأوّل وتعبير تلك المسألة كما في الثاني.
نعم ، ذلك بالنسبة إلى شطر العبادات فإنّ اقتضاء النهي للفساد وعدمه من لوازم ارتفاع الأمر العبادي بتوجّهه وعدمه ، فمال البحث في اقتضاء النهي للفساد إلى البحث عن اجتماع الأمر والنهي ، أو أنّ الأوّل يزول بتوجّه الثاني أو لا يزول.