وإن شئت فسمّ ما هو المؤثّر في نهي المولى عن الفعل بالكراهة ـ أعني كراهة الفعل ـ مقابل الحالة المؤثّرة في أمر المولى ـ وهي الميل وملاءمة الفعل ـ وكلا الطلبين الإنشائيّين ـ أعني الأمر والنهي الناشئين من المنشأين اللذين عرفتهما ـ في حدّ سواء في وجوب إطاعتهما عقلا.
وهذا الذي ذكرناه هو الشبهة التي أوردوها في المقام ، وهي أنّ الإرادة كيف تتعلّق بالترك في مورد النواهي مع أنّ الترك لا يكون بإرادة واختيار ، فالشبهة في إرادة المولى في مقام الطلب لا في إرادة العبد في مقام الامتثال وأنّ تركه ليس بالإرادة والاختيار. فكيف يكون مع ذلك موردا لطلب المولى؟! حتّى يجاب عنها تارة بأنّ الترك يكون بالاختيار ويكون الفعل بالاختيار والإرادة لا بإرادة متعلّقة بالترك ، ويلتجئ آخر بجعل متعلّق الطلب في النواهي هو الكفّ ، وهو أمر وجودي قلبي يلزمه الترك بالجوارح.
مع أنّه مردود أوّلا : بأنّه قد لا يكون فعل قلبي في امتثال النواهي بل كان مجرّد الترك المطلق.
وثانياً : ليس الكفّ أمرا وجوديّا ، بل عنوان للترك الخاصّ المقارن مع ميل النفس مقابل الترك المطلق الأعمّ الشامل له وللترك الآخر غير المقارن لميل النفس.
لا بدّ في الطلب أن يكون متعلّقا بأمر اختياري من فعل أو ترك. فالجزئي الحقيقي لا يكون متعلّقا للطلب ؛ إذ الجزئي لا يصير جزئيّا إلّا بالوجود ، وكلّ فعل وجود فقد خرج عن تحت الاختيار ، كما أنّه كلّ ما لم يوجد فهو كلّي وإن قيّد حتّى ينحصر مصداقه في واحد.
هذا في الفعل المتعلّق للتكليف.
وأمّا موضوع التكليف ـ أعني المفعول به للفعل المتعلّق للتكليف ـ فذاك قد يكون جزئيّا وقد يكون كليّا. وعند ما يكون جزئيّا ـ سواء كان خاصّا ك «أكرم زيدا» أو عامّا ك «أكرم كلّ عالم» ـ لا يخرج الفعل المتعلّق للتكليف عن كونه طبيعة كلّيّة ؛ إذ الكلّي لا يخرج عن كلّيّته بالإضافة إلى جزئي حقيقي ك «أكرم زيدا».
وحكم الجميع إذا كان الخطاب خطاب نهي هو : أنّ المتعلّق للطلب إن كانت طبيعة عامّة غير متخصّصة بخصوصيّة ـ كما في «لا تشرب الخمر» ـ كان الواجب في مقام الامتثال ترك تمام أفراد تلك الطبيعة حتّى يحصل ترك الطبيعة ، ولولاه لصدق الإتيان بتلك الطبيعة