وكسب الفضائل ، وبها يبتعد الشيطان ويرغم أنفه ، وهي البذرة للوصول الى المعالي (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) في أقرب ما يمكن من الزمان والمكان ؛ لأحاطته التامّة على كلّ ما جلّ ودق ، فيحاسبكم على نواياكم ، فكيف أعمالكم وأفعالكم (الْيَوْمَ) تقييد إحلال الطيّبات ـ بعد ذكرها مطلقا ، وبمعناها الوسيع كما مرّ ـ باليوم لأجل بيان أمر واقعي وحقيقة منوطة به ، وهي أنّ حلّية الطيّبات موقوفة على الولاية ، ولو لاها لما طابت وإن كانت طيّبة من كسب اليد ، والوجه الحلال إلّا أنّها بحسب الظاهر لأجل حفظ النظام لا للكمّل من الإيمان ، فالمراد من اليوم الزمان الخاصّ الّذي تجلّى فيه سبحانه وتعالى بإكمال دينه وتنفيذ ولايته على لسان حبيبه صلىاللهعليهوآله ، و (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) من الأخلاق الجميلة والصفات الحميدة ، والأفعال الحسنة ، والعلوم النبيلة والسبل المستقيمة ، فإنّ جميعها حلّ للمؤمن الملتزم بما أنزله الله تعالى ؛ لأنّه مثال للطيّبات لما اقتبسه من الأنبياء والأولياء عليهمالسلام ، ولذا قال تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) بتنوير قلوبكم بنور العلم والمعرفة بالعروج من حضيض البهيمة إلى أوج العظمة من الكمال ، بالاقتداء بالأنبياء والأولياء ، (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) لأنّ المعارف الإلهيّة النازلة على قلب أشرف من في الورى لا اختصاص لها بأحد ، فللجميع الفوز من هذا المنبع ، والنيل من هذا المشرب بعد عناء كسب الأهليّة. نعم للنبي الكريم صلىاللهعليهوآله لاختصاص بالمقام المحمود وبالمشرب المحبوب : «أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني لا يشاركه فيه ملك مقرّب ولا نبي مرسل» ، فعلّهم يهتدون الى الحقّ ويميزون الخبيث من الطيب بطعامكم وعلومكم ، (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) أي : اللاتي أحصنّ أنفسهن عمّا لا ينبغي ، وإنّها الخواص من هذه الامة ، وهي طائفة أدركت حقائق الدين ، وكشفت أسرار القرآن المبين ، ووصلت الى قمّة الإيمان وأعلى مراتب اليقين ، حلّ لكم أن تقتبسوا منهن وتركنوا إليهن ، سواء كانوا من المؤمنين أم المؤمنات لما حصنت نفوسهم بإطاعة الله تعالى ومخالفة الشيطان ، (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهي الحقائق في الكتب المنزّلة على السالفة