وتوصيفهم بأنّهم مقرّبون فيه العلّية على كونهم عبيدا لله تعالى ؛ لأنّهم مقرّبون ، فلو كانوا يستنكفون لما كانوا مقرّبين.
ويمكن أن ترجع هذه العلّة إلى المسيح أيضا ؛ لأنّه عزوجل وصفه بأنّه مقرّب أيضا في موضع آخر ، قال تعالى في شأنه : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤٥] ، فهو يستنكف عن أن يكون عبدا لغيره لأنّه مبارك ومقرّب.
وعلى هذا ، لا تدلّ الآية الشريفة على أفضليّة الملائكة من الأنبياء ، كما زعمه بعض المفسّرين ، مع أنّها غير ناظرة الى هذه الجهة أصلا ، والبحث مذكور في علم الكلام ، نذكره في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ).
الاستكبار : طلب الكبر من غير استحقاق ، بمعنى أن يجعل نفسه كبيرة فوق ما هي عليه ؛ غرورا وإعجابا ، لا بمعنى طلب تحصيله مع اعتقاد عدم حصوله.
والاستكبار : مذموم بل هو أم المهالك ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر ، فقال رجل : يا رسول الله ، إنّ الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال صلىاللهعليهوآله : إنّ الله جميل ويحبّ الجمال ، الكبر بطر الحقّ وغمط الناس» ، أي : أن يجعل ما جعله الله تعالى حقّا ـ من توحيده وعبادته وقوانينه ـ باطلا ، أو يتجبّر عند مطلق الحقّ ، فلا يقبله ولا ينقاد له. وغمط الناس ، أي : استهانة بهم واستحقارهم ، فالحديث يفسّر الكبر المذموم بأحسن وجه.
والمستفاد من الآيات الشريفة والأحاديث الواردة في ذمّ الكبر أن للكبر درجات ، أعظمها الّتي تمنع صاحبه عن دخول الجنّة ، وهو الكبر على الله تعالى ، وذلك بعدم دخول الشخص في طاعته عزوجل كما مرّ ، وأمّا سائرها فإنّها تشترك في أنّ الصدّ عن نيل الكمال ، وتمنع السعادة وتؤدي بصاحبها إلى الخسران.