منزلتها عظيمة عند الله تعالى ، وقد اختارها الله واصطفاها على نساء العالمين مع علمهم ببراءتها ممّا نسب إليها لظهور الكرامات الدالّة على براءتها منها ، كتكليمهم عيسى عليهالسلام وهو في المهد صبيا ، فقال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٠] ، فأنكروا المعجزات كلّها ونسبوا الى مريم البتول عليهماالسلام بما هي بريئة منه وتجاهلوا منزلتها عند الله تعالى ولم يقدّروا قدرها.
وإمّا لأنّ الجزاء الّذي يترتّب على هذا البهتان كان عظيما ، وقد كانوا هم السبب في ما حلّ بهم من الغضب واللعنة.
قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ).
جريمة اخرى من جرائمهم الدالّة على كمال جرأتهم على الله تعالى والاستهزاء بآياته ورسله وتماديهم في الكذب والطغيان ، وإنّما عبّر عزوجل : (وَقَوْلِهِمْ) على سبيل التبجح ، ولبيان أنّه مجرّد قول يحكي عنهم لا حقيقة له ، وهو بعيد عن الواقع.
وقوله تعالى : (رَسُولَ اللهِ) إمّا وصف لعيسى بن مريم ، فيكون من جملة أقوالهم المحكيّة الرسالة تهكما واستهزاء بدعوته.
أو على سبيل المدح والاختصاص للإشارة الى رفعة شأنه وعظيم منزلته ولبيان فظاعة عملهم وكمال جرأتهم على الله تعالى ونفي الألوهيّة المزعومة فيه.
أو أنّ الله تعالى وضع الذكر الحسن مقام ذكرهم القبيح له ، فإنّهم قد وصفوه بأقبح الصفات.
قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ).
إبطال لما زعموه من قتلهم رسول الله تعالى عيسى ابن مريم ، والجملة في موضع الحال ، أي : والحال أنّهم لم يقتلوه ولم يصلبوه. وإنّما نفى عزوجل القتل والصلب معا عنه عليهالسلام ، لبيان النفي التامّ ، بحيث لا يشوبه شكّ وريب فلم تصل أيديهم إليه بأي نحو من أنحاء القتل ، ودفعا به لما قد يتوهّم من أن نفي مطلق القتل عنه عليهالسلام ، لا ينافي أن يكون قتله غير عادي ، فنفى عزوجل عنه جميع أنحائه.