اجتمعوا في العلّة الّتي استحقّوا بها هذا العذاب المهين الّذي يشتمل على المذلّة والإهانة ، وفي قوله تعالى التفات من الغيبة الى التكلّم مع الغير ، إيماء الى أنّ العذاب تحقّق وقرب وقوعه ، وللتنبيه والإيقاظ لهم على ما غفلوا عنه.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ).
بيان للصنف المقابل لأولئك المفرّقين بين الله ورسله ، وفيه تعظيم لمقامهم وتشريف لهم ببيان عظيم أجرهم ، ومنه تظهر حقيقة الإيمان المطلوب ، وهي الإيمان بالله وعدم التفرقة بين أحد من رسله العظام (صلى الله عليهم أجمعين).
وإنّما ذكر عزوجل (أَحَدٍ) في المقام ؛ للبيان بأنّه لا بدّ أن لا يفرّق بين جميع الرسل ، سواء أكانوا ممّن اعتقد به أولئك الكافرون ومن أنكروا الإيمان به أم لم يكن منهم ، وتنطبق الآية الشريفة على أمة خاتم المرسلين صلىاللهعليهوآله ، فإنّهم آمنوا به التزاما منهم بالإيمان بجميع المرسلين.
قوله تعالى : (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ).
تعظيم للجزاء وإيذان بقرب الوقوع ، ويدلّ عليه أيضا كلمة (سوف) الّتي تدلّ على تأكيد الموعود به.
وإنّما لم يبيّن عزوجل نوع الأجور إيماء بأنّ المؤمنين يختلفون في الأجور ، فكلّ يعطي بحسب حاله في العمل بعد ما ثبت فيهم أصل الإيمان المطلوب.
كما أنّه تعالى لم يذكر هنا (أولئك هم المؤمنون حقا) كما في الآية المباركة السابقة ؛ للإعلام بأنّ ما ذكر إنّما هو أصل الإيمان المطلوب ، وأمّا كماله الّذي يتمّ به الإيمان حقّا ، فقد ذكر في آية اخرى ، قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢ ـ ٤].