فإذا انتفى أحد هذه الأمور أو تحقّق الحرام بعد وسائط كثيرة ولم تكن من العلّة التامّة أو جزء العلّة ـ كما في بيع العنب والتمر لمن يعلم أنّه يعمله خمرا ـ لم تتحقّق ؛ للشكّ في صدق الإعانة حينئذ ، فلم تكن محرّمة ، والروايات الواردة الدالّة على الجواز ـ كما هي مذكورة في المكاسب المحرّمة من كتاب البيع ـ ليس من باب التخصيص ، وإنّما هي من باب التخصص كما عرفت.
ولا فرق في الحرام الّذي تكون الإعانة عليه حراما بين أن يكون من الكبائر أو الصغائر ، معلوما تفصيلا أو بالإجمال ، مسلما كان العامل أو كافرا بناء على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالأصول ، كما هو المشهور ، كلّ ذلك للعموم والإطلاق. وإنّ الإعانة على الإثم تابعة للإثم المعان عليه ، فإن كان كبيرة فهي كبيرة وإلّا فصغيرة.
وهناك فروع للقاعدة تعرّضنا لها معها في كتاب الاجتهاد والتقليد من (مهذب الأحكام) ، ومن أراد فليرجع إليه والله العالم.
بحث عرفاني
يمكن أن تكون الآيات الشريفة إشارة إلى معاني عرفانيّة ، تتشوّق النفوس إليها وتنشط الأرواح بها وتزيل التعب عنها وتتوجّه الى خالقها وتستعين منه ، ولعلّ الآية المباركة : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إشارة الى عهود العشّاق المنقطعين عن ما سواه والعاكفين على أبواب فيضه ورحمته ، فعقدوا معه جلّ شأنه على بذل وجودهم لنيل مقصودهم ـ وهو رضاه ـ وتحمّلوا ألم الفراق وعذابه لأجل لقاء جماله ، وصبروا على المكاره حتّى يتقرّبوا إليه بالشوق الى دنوّه ، فأنت الّذي وهبت لهم من فيضك قدر ما يستحقّون ، وأنعمت عليهم من آلائك قدر ما يتأهّلون باختيارهم ، وجعلت في قلوبهم شوق لقائك ، فهم منك ، وإليك ، ولك ، ومعك تعاهدوا وتعاقدوا (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] ، وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ