وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٣] ، ويماثلها ما في سورتي الأنعام (١٤٥) والنحل (١١٥) ، فيكون قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) كلاما معترضا اقحم في الآية الكريمة ، ولا تتوقّف دلالة إحداهما على الاخرى ، فكلّ واحد منهما له دلالته الخاصّة ويبينان أمرين ، أحدهما محرّمات الطعام ، والثاني كمال هذا الدين وتمامه وظهوره على الشرك كلّه ، وأنّه لا مطمع لأعداء هذا الدين في زواله. ويؤيّد ذلك أنّ أغلب الروايات الواردة في سبب نزول هذه الآية الشريفة ـ الّتي هي كثيرة ـ تخصّ قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) بالذكر ولم تتعرّض لصدر الآية المباركة ولا لذيلها ، فيستفاد أنّ له نزولا مستقلا عن نزول الآية الشريفة ، فإنّما وضع في وسط الآية لحكم ، كما عرفت آنفا.
ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الواضع هو الله تعالى ، أو النبي صلىاللهعليهوآله بأمر منه عزوجل ، أو كتّاب الوحي بأمر من النبي صلىاللهعليهوآله ، فإنّه لا يضرّ في أصل المطلب.
كما أنّ الجملة المعترضة وإن تركّبت من جملتين إحداهما تدلّ على ظهور هذا الدين على الشرك وأمنه من كيدهم ، فلا خوف من أعداء هذا الدين ولا حاجة إلى مداراتهم ، والجملة الثانية تبيّن كمال الدين وإتمام النعمة ، إلّا أنّ مضمون كلتا الجملتين يرتبط أحدهما بالآخر ، وهو يدلّ على أنّ هذه الجملة المعترضة كلام واحد لا كلامان ، كما تدلّ عليه الروايات الّتي وردت في شأن نزولها. ولا يضرّ في ذلك تكرار لفظ (اليوم) الّذي يراد به في كلتا الجملتين يوم واحد ، وهو اليوم الّذي يئس فيه الكفّار وأكمل فيه الدين كما ستعرف.
ثمّ إنّ اليوم يطلق تارة ويراد به بياض النهار من حين طلوع الشمس الى غروبها ، ويقابله الليل كما في قوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ