قليلا مهما عظم ، فعن أمير المؤمنين عليهالسلام : «لا يقلّ عمل مع تقوى ، كيف يقلّ ما يتقبّل؟!» ، فلم يكن لهم توجّه إليه عزوجل أبدا ، فإنّ من أحبّ شيئا خلب مشاعره ، فإذا كان عملهم لله تعالى حبّا وطاعة له ، فإنّه يستولي على قلبهم وجميع جوانحهم وجوارحهم ، فيكونون ذاكرين لله تعالى حاضرين لديه مراقبين لنفسه.
وممّا ذكرنا تعرف أنّ المراد بالذكر هو الأعمّ من الباطني القلبي والذكر اللساني ، فالمنافقون اقتصروا على القليل منه ولم يقبل منهم ذكرهم هذا ؛ لعدم التقوى فيهم كما عرفت آنفا.
قوله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ).
صفة اخرى من صفات المنافقين ، وهي التردّد في الإيمان والكفر ، فلم يستقرّوا على أحدهما فلا هم مؤمنون حقيقة ولا كافرون محضا ، وإنّما كانوا كذلك لتردّدهم بين مجتمع المؤمنين والصلاة معهم رياء ، وبين موالاة الكافرين ومجالستهم ، ويدلّ على ذلك كلمة «بين» كما حكى عنهم عزوجل في الآيات المباركة السابقة ، فإنّ القرآن يفسّر بعضه بعضا. هذا بالنسبة الى حالتهم النفسيّة المتردّدة المشكّكة.
وأمّا عند الله فهم كافرون كما يدلّ عليه الطبع على الكفر في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [سورة المنافقون ، الآية : ٣] وغيره من الآيات الشريفة.
ومادّة (ذبذب) تدلّ على الحركة والاضطراب ، قال النابغة :
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة |
|
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب |
ومنه حكاية صوت الحركه للشيء المعلّق ، ومنه أيضا المهتز المعلّق الّذي لا يثبت ولا يتمهّل ، والذال الثانية أصيلة عند الجمهور خلافا لبعض الكوفيين ، حيث جعلوها مبدّلة من «باء». وقرأ ابن عباس : (مذبذبين) بكسر الذال الثانية ، وهذا الوصف يدلّ على عدم حصول اليقين عندهم وفقدان الثقة في نفوسهم. وهذه الحالات تحصل للإنسان إذا اقتصر على الماديات بجحود الحقّ ، وترك ما وراءها ، وجعل همّه في الدنيا هو الاقتناء على وسائل العيش المادي والسعي وراء متاع