الرابع : جملة كثيرة من الروايات الّتي تدلّ على أنّ عيسى عليهالسلام لم يمت وسيعود إليهم فيؤمن به أهل الكتاب ، ويأتي نقل بعضها في البحث الروائي إن شاء الله تعالى.
الخامس : أنّ هذا المعنى يجمع القولين المزبورين ، فإنّه يدلّ على أنّ كلّ أحد من أهل الكتاب يؤمن بحقيقة عيسى عليهالسلام قبل الموت وإزهاق روحه وإن كان إيمانه اضطراريا لا ينفعه ، لانقطاع التكليف حينئذ ـ كما عرفت ـ وهو مفاد القول الأوّل ، كما يدلّ على أنّ عيسى عليهالسلام لم يمت وسيعود ويؤمن به من كان حيّا من أهل الكتاب قبل موته عليهالسلام ، وهذا هو مفاد القول الثاني.
وهذا المعنى الّذي استظهرناه يدلّ على إيمانهم جميعا قبل موته عليهالسلام ، فمن كان حيا عند نزوله ، فإيمانه مبني على اختياره ، وإلّا فهو يؤمن به عند موته لانكشاف الحقائق حين الموت ، ففي الحديث : «الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا» ، أي : إذا قرب خروج الروح تظهر الحقائق وتنكشف الواقعيات فيندم على ما فعل وقصّر ، ولكن لا ينفعه الندم.
ثمّ إنّه يمكن أن يستشكل على هذا المعنى بوجوه ، منها : ما تقدّم في القول الثاني وقد أجبنا عنه.
ومنها : أنّ بعض الآيات المباركة الّتي وردت في مواضع متفرّقة ربما يستفاد منها خلاف ذلك ، فإنّ قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) يدلّ على أنّ غلف القلوب هو نقمة عظيمة كتبها الله تعالى عليهم ، لسوء أفعالهم وقبح صفاتهم وفساد أخلاقهم كما عرفت في تفسيره آنفا ، فلا يؤمن هذا الجمع بما هو جمع الى يوم القيامة.
ولكن ذكرنا سابقا أنّ هذه الآية الشريفة لا تدلّ على انتفاء الإيمان منهم البتة ، بل الإيمان يتحقّق منهم ولو كان المؤمنون قليلا من كثير ، يضاف الى ذلك أنّ قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يدلّ على تحقّق