ومن ذلك يظهر أنّ حرمة المذكورات إنّما هي لأجل موتها بتلك الأسباب وإلّا فإن لم يمت الحيوان بها ، بل مات بالتذكية الشرعيّة ولو كانت عنده بقية حياة حلّ أكله كما عرفت ، وكذا لو عاش مدّة من الزمن ومات إمّا بحتف الأنف فيحرم ، أو بالتذكية الشرعيّة فيحل ، فحينئذ لا يطلق عليه عنوان المنخنقة أو الموقوذة أو المتردّية أو أكيل السبع كما هو واضح من الآية الشريفة ؛ لأنّ ظاهرها ما إذا استند الهلاك الى واحد من تلك الأوصاف دون غيرها.
ومادّة (ذكي) تدلّ على تمام الفعل وإتمامه ، لا مجرّد وقوعه وإيقاعه ، ومنه الذكاء ، أي السن (العمر) الّذي يقال في مرحلة الشباب ، وفي غيرها لا يقال ذكاء ؛ يقال : الفرس المذكي ، أي الّذي يأتي بعد تمام القروح ـ انتهت أسنانه ـ بسنة ؛ لأنّ تمام اكتمال القوة فيه ، ومنه الذّكاء وهي سرعة الفطنة وكمالها ، والفعل منه ذكي ، يذكي ذكاء ، ومن الذكاء إذا تمّ اشتعال النار ، يقال : ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء ، والذكوة ما تذكو به النار ، وأذكيت الحرب والنار إذا اوقدتا وتمّ اشتعالهما ، وذكاء اسم للشمس إذا اشتدّت حرارتها ، كما أنّ الصبح ابن ذكاء ؛ لأنّه من ضوئها. وذكي البهيمة إذا أزهق روحها.
ومعنى (ذكيتم) أدركتم ذكاته على التمام ، والذكاة في الذبيحة بمعنى التطييب والتطهير ، وفي الحديث عن أبي جعفر عليهالسلام : «ذكاة الأرض يبسها» ، أي : طهارتها من النجاسة بشروق الشمس عليها ، وفي الذبيحة حلّيتها وتطييبها ؛ لأنّ الحيوان إذا سيل دمه فقد طيب.
والتذكية الشرعيّة هي إزهاق روح الحيوان في غير الصيد بفري الأوداج الأربعة بآلة من الحديد ، متتابعا من المذبح مستقبل القبلة ذاكرا اسم الله تعالى عليه ، قاصدا للذبح ، وأن يكون الذابح مسلما ، وذكرنا ما يتعلّق بهذه الشروط في كتابنا (مهذب الأحكام) فراجع.
قوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).
مادة (نصب) تدلّ على ما يكون علامة لشيء ، قال تعالى : (كَأَنَّهُمْ إِلى