الأدلة العقليّة تنافي الفداء
والحقّ أنّ الأدلة العقليّة تنافي الفداء بوجوه كثيرة :
منها : أنّ هذه العقيدة تنادي بتجسّم الخالق وحلوله في أحد مخلوقاته واتّخاذه أحد ذرّية آدم ابنا له ، وكلّ ذلك مخالف للأدلّة القطعيّة الدالّة على أنّه الإله الواحد الأحد الّذي لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، وليس كمثله شيء ، الّذي تنزّه عن مجانسة مخلوقاته. وقد ذكر العلماء تلك الأدلّة العقليّة والنقليّة في مواضع متفرّقة من علوم متعدّدة.
ومنها : أنّه يستلزم منها نسبة الجهل إليه تعالى وأنّه ظلّ مترددا وجاهلا لحلّ تلك المعضلة حتّى العصر الّذي ولد فيه عيسى عليهالسلام ، فتفطّن الى حلّها ، فجمع بين الرحمة والعدل في فداء المسيح عليهالسلام. وكلّ ذلك باطل بأدلّة عقليّة ونقليّة مذكورة في محلّها.
ومنها : أنّ القول بهذه العقيدة يستلزم منه نقيضها ؛ لأنّه تبارك وتعالى جمع بين صفتي الرحمة والعدل في صلب المسيح بن مريم عليهالسلام وفداه عن جميع البشر ، وهذا يستلزم إعدام شخص بريء وتعذيبه بأشدّ العذاب وهو لا يستحقّه ، وقد كان عليهالسلام لا يرغب هذا العذاب ـ كما ستعرف ـ وهذا مناف لعدله عزوجل ورحمته ، فصار عزوجل بذلك عادلا وغير عادل ، ورحيما وغير رحيم ، وهذا من التناقض الواضح.
إن قلت : يرد النقض بقوله تعالى بالنسبة لإبراهيم عليهالسلام حين أراد أن يذبح ولده إسماعيل عليهالسلام : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [سورة الصافات ، الآية : ١٠٧] ، فعدم الاستحقاق مشترك بين الذبيح وبين أولئك فنتعدّى من فدية إبراهيم عليهالسلام الى فدية عيسى عليهالسلام.
قلت : أوّلا : أنّ فدية إبراهيم عليهالسلام لولده كان تكليفا شخصيا لأجل الوصول