ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٥] ، وذكرنا في ضمن تفسيره بحثا عرفانيا يتعلّق بالحبّ.
ومادة (جهر) تدلّ على الظهور والبروز بوضوح ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يقرب من ستة عشر موضعا ، استعملت جميعها في هذا العالم وليس لها حظ في الآخرة ، ومتعلّقها إمّا حاسة البصر ، كما في قوله تعالى حاكيا عن اليهود لموسى عليهالسلام : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٥٥] ، وقوله تعالى حاكيا عن أهل الكتاب : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [سورة النساء ، الآية : ١٥٣] ، أو حاسة السمع كما في قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) [سورة الرعد ، الآية : ١٠] ، وقوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) [سورة الإسراء ، الآية : ١١٠] ، ولعلّ أشدّها ما ورد في قصة نوح عليهالسلام ، قال تعالى حاكيا عنه (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) [سورة نوح ، الآية : ٩].
ويستفاد منه أنّ الإعلان خلاف الإسرار ، فيكون الإجهار خلاف الإخفات ، وقد يستعمل خلاف الإسرار أيضا ، ومنه الحديث : «كلّ امتي معافي إلّا المجاهرين» ، وهم الّذين أظهروا المعاصي وكشفوا ما ستر الله عليهم منها.
والسوء : هو كلّ ما يغمّ الإنسان ، سواء كان من الأمور الدنيويّة أم الأخرويّة ، نفسيا كان أو بدنيا خارجيا كان ، مثل فوت مال ، أو شأنيا كفوات جاه أو فقد حميم ، والسوء من القول كلّ ما يسوء المقول فيه فيشمل السبّ ، والقذف ، ثم عمّم «السوء» أو حكمه حتّى يشمل الغمز واللمز والاتّهام بالسيء من الصفات والأعمال ، والبهتان ، وإلصاق العيوب وكلّ ما ليس في الطرف الآخر ، والدعاء عليه ونحو ذلك ممّا يسيئه ، وهو يختلف باختلاف الأعصار والأمصار والأقوام ، فربّ سيء في عصر ومصر أو عند قوم لا يكون كذلك عند غيرهم.
ولعلّ التعبير وعدم ذكر الخصوصية في المقام ، ليشمل الجميع وكلّ ما ينطبق عليه السوء من القول عرفا ، والتقييد بالقول من باب الغالب.