أقول : لعلّ المراد أنّ المكلّف باختياره أحبط عمله وأوقع نفسه في المشقّة ، والله العالم بالحقائق.
بحث فقهي
يستفاد من الآيات المباركة قواعد فقهيّة بيّنتها السنّة الشريفة ، كما يستفاد منها أحكام خاصّة نقدّم بعضها في البحث الروائي ، أمّا القواعد فهي :
القاعدة الاولى : «حلّية الطيّبات مطلقا إلّا ما خرج بالدليل» ، سواء أكانت من الأطعمة أم من الأشربة أم من النكاح أم غيرها ممّا يشمّ أو يستنشق حتّى القول الطيب ، قال تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [سورة الحج ، الآية : ٢٤]. وإن شئت عبّرت : «كلّ طيب حلال إلّا ما أخرجه الشارع بالدليل» ، والبحث عنها من جهات :
الاولى : في فقه القاعدة ومعنى الطيّبات فيها ، فنقول : المراد من الطيب مقابل الخبيث ، وهو في اللغة : كلّ ما تستلذّ به النفس مطلقا ولم يكن فيه أذى لها أو للبدن. وإن شئت عبّرت : «كلّ ما ترغب إليها النفوس المستقيمة» ، فيمكن أن يقال : إنّ ما حرّمه الشارع لا تستلذّ به النفس للتأنيب المستتر في الضمير البشري عند ارتكاب المحارم ، أو به أذى لنفس أو للبدن ؛ لأنّ المحرّمات تابعة للمفاسد وتترتّب العقوبات عليها مطلقا ، فلا ترغب إليها النفوس ، فتكون خبيثة من هذه الجهة.
ودعوى : أنّ النهي ، ووعيد العذاب من الشرع ، والعلم كلّ منهما كيف يوجب الاتّصاف بالخباثة ؛ لأنّ الموضوع مؤخّر عن حكمه بمراتب ثلاثة.
غير صحيحة ؛ لأنّ ما ذكرنا لا ينافي ذلك ، وأنّه من قبيل الكشف ، وأنّ الخباثة الشرعيّة تجتمع مع الخباثة الفطريّة ، والاولى توجب التأنيب ، والثانية توجب الضرر. فتأمّل.