تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) [سورة النور ، ٢ لآية : ٥٢].
والآية الشريفة بمنزلة الغاية لما قبلها. أي : بعد ما وفى الله تعالى بوعده ، حيث أظهر دينه ويئس الكفّار من الغلبة لما شاهدوا من الكمال في الدين ، فلا تخشوا الكفّار من أن يظهروا على دينكم ويغلبوكم ، بل أخلصوا الخشية لله جلّ جلاله وحده لما منّ عليكم بالنصر والغلبة والإظهار على العقائد الفاسدة والأديان المنحرفة.
ويحتمل أن يكون المراد من الخشية الرجاء.
ولكنّه بعيد ؛ لأنّهما متضادّان ، نعم الرجاء يلازم الآخر غالبا في ضدّ متعلّقه. فمن يخشى المرض يرجو طبعا الصحّة ، وكذا من يخشى الفقر يرجو الغنى ، وكذا سائر الأضداد. وسياق الآية المباركة يدلّ على ما ذكرناه والله العالم.
قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
بشارات ثلاث تنبئ عن عظيم المنّة على المؤمنين ، وتدلّ على كمال هذا الدين وهيمنته على الدين كلّه ، فلا دين ولا شريعة بعد هذا الدين الكامل الّذي ارتضاه الله تعالى أن يكون منهاجا علميّا وعمليّا للبشريّة كلّها ، وأنّ ما سواه باطل وناقص ، فهو النعمة التامّة الّتي لا ينقصها شيء ، وهو الدين الكامل الّذي لا يعوزه تتميم من متمم ، وقد ذكرنا آنفا أنّ هذه الفقرة ترتبط مع الفقرة السابقة ، أعني : قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أشدّ ارتباط ، وهما مسوقتان لغرض واحد ، فإنّ الله تعالى أكمل هذا الدين وأتمّ نعمته على المؤمنين ، وارتضاه أن يكون دينا خالدا كاملا ، فكان ذلك سببا لانقطاع رجاء الكافرين عن النيل من هذا الدين ويأسهم من محوه وإفساده ، فلا موجب للخشية منهم ، وإنّ الخشية إنّما تكون من الله سبحانه وتعالى وحده في أن ينزع هذا الدين من المؤمنين