وكيف كان ، فنحن نذكر في المقام بعض القواعد المسلّمة عند جميع العقلاء ـ بما فيهم المسيحيون أنفسهم ـ الّتي تدلّ على فساد جملة كثيرة ممّا اعتقدوه في عيسى ابن مريم عليهالسلام ، ثم نذكر ما يمكن الردّ عليها.
الاولى : اتّفق الملّيون الّذين يعتقدون بالإله الوحد الأحد أنّ الله تعالى ليس بجسم ولا بمتحيّز ، وليس في جهة ولم يكن محلا للحوادث ، وقد أقاموا الأدلّة والبراهين القويمة العقليّة والنقليّة على ذلك ، وأنّ القول بتجسّد الكلمة ينافي ذلك بلا ريب ، فإنّ تجسّد الإله ـ سواء كان على نحو العينيّة أو الحلول أو التركب أو الإشراق وغير ذلك ـ يستلزم أن يكون الإله جسما ومتحيّزا وفي جهة ، وأن يكون محلا للحوادث ومشابها لمخلوقاته ، إلّا أن يراد بتجسّد الكلمة غير الّذي أرادوا فلا بدّ من بيانه.
الثانية : امتناع قلب الحقائق فإنّه ممّا أجمعت عليه العقلاء ، فيمتنع قلب حقيقة الى حقيقة اخرى مخالفة للأولى إلّا بإعدامها. والقول بأنّ المسيح الّذي هو مخلوق حادث صار إلها قديما أزليا يصادم هذه القاعدة المسلّمة.
الثالثة : امتناع حلول صفات القديم بغير ذات الله تعالى ، فيمتنع قولهم بأنّ الكلمة امتزجت بجسد المسيح وغير ذلك ممّا اعتقدوه في تجسّد الكلمة الأزليّة.
الرابعة : امتناع تعدّد الكلّي الواحد والإشارة إليه وكونه مرئيا ، كما هو مبيّن في علم المنطق ، والقول بأنّ عيسى عليهالسلام إنسان كلّي باطل ، فإنّ الإنسان الكلّي لا اختصاص له بجزئي دون جزئي آخر ، وقد اتّفق النصارى على كون المسيح مولودا من مريم عليهاالسلام ، فإن كانت مريم كلّيا كما يدّعيه بعضهم ، فإن كان هو عين إنسان المسيح لزم أن يكون المسيح مريم ومريم المسيح ، ولزم أن يولد الشيء من نفسه. وكلاهما باطل ، وإن كان إنسان مريم جزئيا ، فالكلّي ما كان صالحا لاشتراك الكثرة فيه ، فيلزم أن يكون المسيح جزءا من مفهوم مريم وبالعكس ، وهو محال.
مضافا إلى أنّ الكلّي لا يمكن أن يقع مورد الإشارة إلّا بالإشارة الى جزئي من جزئياته ، أو يقع مورد القتل والتعذيب والاضطهاد ، فإنّه محال.