١ ـ ٣٠ ـ (وَالْفَجْرِ) أقسم الله سبحانه بفجر النهار وهو انفجار الصبح كل يوم (وَلَيالٍ عَشْرٍ) وهي عشر ذي الحجة (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) يعني الزوج والفرد من العدد كله عن الحسن ، قال أبو مسلم : هو تذكير بالحساب لعظم ما فيه من النفع والنعم بما يضبط به من المقادير ، وقيل : الشفع والوتر كل ما خلقه الله تعالى ، لأن جميع الأشياء إما زوج واما فرد (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) انه أراد جنس الليالي كما قال : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) ، اقسم بالليل اذا يمضي بظلامه فيذهب حتى ينقضي بالضياء المبتدىء ، ففي سيره على المقادير المرتبة ، ومجيئه بالضياء عند تقضيه أدلّ دلالة على ان فاعله يختص بالعز والجلال ، ويتعالى عن الأشباه والأمثال وقيل : انه انما أضاف السير إليه لأن الليل يسير بمسير الشمس في الفلك وانتقالها من أفق إلى أفق (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أي هل فيما ذكر من الأقسام مقنع لذي عقل ولبّ يعقل القسم والمقسم به ؛ وهذا تأكيد وتعظيم لما وقع القسم به والمعنى : ان من كان ذا لبّ علم ان ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على توحيد الله توضح عن عجائب صنعه ، وبدائع حكمته ؛ ثم اعترض بين القسم وجوابه بقوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) وهذا خطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتنبيه للكفار على ما فعله سبحانه بالأمم السالفة لما كفرت بالله وبأنبيائه ، وكانت أطول أعمارا ، وأشدّ قوة ، وعاد قوم هود ، وارم اسم لقبيلة (ذاتِ الْعِمادِ) معناه : ذات الطول والشدّة (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) أي لم يخلق في البلاد مثل تلك القبيلة في الطول والقوّة وعظم الأجسام ، وهم الذين قالوا : من أشد منا قوة ؛ وقيل : ذات العماد : أي ذات الأبنية العظام المرتفعة. ثم قال سبحانه (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) أي وكيف فعل بثمود الذين قطعوا الصخر ونقبوها بالوادي الذي كانوا ينزلونه ، يعني وادي القرى قال ابن عباس : كانوا ينحتون الجبال فيجعلون منها بيوتا كما قال الله تعالى وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين (وَفِرْعَوْنَ) أي وكيف فعل فرعون الذي أرسل إليه موسى (ذِي الْأَوْتادِ) كان يشدّ الرجل بأربعة أوتاد على الأرض إذا أراد تعذيبه ويتركه حتى يموت (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) يعني عادا وثمود وفرعون طغوا ، أي تجبروا في البلاد على أنبياء الله ، وعملوا فيها بمعصية الله (فَأَكْثَرُوا فِيهَا) أي في الأرض (الْفَسادَ) أي القتل والمعصية ، ثم بيّن سبحانه ما فعله بهم عاجلا بأن قال (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي فجعل سوطه الذي ضربهم به العذاب ؛ شبّه سبحانه العذاب الذي احلّه بهم ، وألقاه عليهم بانصباب السوط وتواتره على المضروب حتى يهلكه (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي عليه طريق العباد فلا يفوته أحد والمعنى : انه لا يفوته شيء من أعمالهم لأنه يسمع ويرى جميع أقوالهم وأفعالهم كما لا يفوت من هو بالمرصاد. وروي عن ابن عباس في هذه الآية قال : إن على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عندها : أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة ، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكاة ، فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم ، فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج ، فإن جاء به تاما جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم ، فإن خرج منها والا يقال انظروا فإن كان له تطوع اكمل به اعماله ، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة. ثم قسّم سبحانه احوال البشر فقال (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي اختبره وامتحنه بالنعمة (فَأَكْرَمَهُ) بالمال (وَنَعَّمَهُ) بما وسّع عليه من أنوع الإفضال (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) فيفرح بذلك ويسرّ ويقول : ربي أعطاني هذا لكرامتي عنده ، ومنزلتي لديه ،