يعمل في الخير (وَهُوَ يَخْشى) الله عزوجل (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي تتغافل وتشتغل عنه بغيره (كَلَّا) أي لا تعد لذلك وانزجر عنه (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) أي انّ آيات القرآن تذكير وموعظة للخلق (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي ذكر التنزيل أو القرآن أو الوعظ والمعنى : فمن شاء أن يذكره ذكره ؛ وفي هذا دلالة على أن العبد قادر على الفعل ، مخيّر فيه ، ثم أخبر سبحانه بجلالة قدر القرآن عنده فقال (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) أي هذا القرآن ، أو هذه التذكرة في كتب معظمة عند الله وهي اللوح المحفوظ (مَرْفُوعَةٍ) في السماء السابعة (مُطَهَّرَةٍ) لا يمسها إلّا المطهرون (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) يعني الكتبة من الملائكة ؛ وروى فضيل بن يسار عن الصادق عليهالسلام قال : الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة ؛ ثم أثنى عليهم فقال (كِرامٍ) على ربهم (بَرَرَةٍ) مطيعين وقيل : كرام عن المعاصي يرفعون أنفسهم عنها بررة : أي صالحين متقين ، وقال مقاتل : كان القرآن ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر إلى الكتبة من الملائكة ثم ينزل به جبريل عليهالسلام إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم ذكر سبحانه المكذبين بالقرآن فقال (قُتِلَ الْإِنْسانُ) أي عذب ولعن الإنسان ، وهو إشارة إلى كل كافر (ما أَكْفَرَهُ) أي ما أشدّ كفره وما أبين اضلاله ، وهذا تعجب منه كأنّه قد قال : تعجبوا منه ومن كفره مع كثرة الشواهد على التوحيد والإيمان ثم بيّن سبحانه من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خالقه فقال (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) معناه : لم لا ينظر إلى أصل خلقته من أيّ شيء خلقه الله ليدلّه على وحدانية الله تعالى ؛ ثم فسّر فقال (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أطوارا : نطفة ، ثم علقة ، إلى آخر خلقه ، وعلى حدّ معلوم من طوله وقصره وسمعه وبصره وحواسه وأعضائه ، ومدة عمره ورزقه وجميع أحواله (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) أي ثم يسر سبيل الخروج من بطن أمه حتى خرج منه ، وذلك ان رأسه كان إلى رأس أمه وكذلك رجلاه كانتا إلى رجليها ، فقلبه الله عند الولادة ليسهل خروجه منها وقيل : (ثُمَّ السَّبِيلَ) ، أي سبيل الدين يسره ، وطريق الخير والشرّ بيّن له وخيّره ومكّنه من فعل الخير ، واجتناب الشر ونظيره : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (ثُمَّ أَماتَهُ) أزال عنه حياته (فَأَقْبَرَهُ) أي صيّره بحيث يقبر (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي أحياه من قبره وبعثه إذا شاء تعالى أن يحييه للجزاء والحساب والثواب والعقاب (كَلَّا) أي حقا (لَمَّا يَقْضِ) أي لم يقض (ما أَمَرَهُ) الله به من إخلاص عبادته ، ولم يؤدّ حق الله تعالى عليه مع كثرة نعمه.
٢٤ ـ ٤٢ ـ لمّا ذكر سبحانه خلق ابن آدم ، ذكر رزقه ليعتبر فقال (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) الذي يأكله ويتقوته من الأطعمة الشهية اللذيذة كيف خلقها سبحانه وهيّأها لرزق عباده ليفكر كيف مكّنه من الانتفاع بذلك ؛ ثم بيّن فقال (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) أي نزلنا الغيث إنزالا (ثُمَّ) (شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) بالنبات (فَأَنْبَتْنا فِيها) أي في الأرض (حَبًّا) أي جنس الحبوب التي يتغذى بها وتدخر (وَعِنَباً) خصّ العنب لكثرة منافعه (وَقَضْباً) وهو القت الرطب يقضب مرة بعد أخرى يكون علفا للدواب (وَزَيْتُوناً) وهو ما يعصر عنه الزيت (وَنَخْلاً) جمع نخلة (وَحَدائِقَ غُلْباً) أي وبساتين محوطة تشتمل على أشجار عظام غلاظ مختلفة (وَفاكِهَةً) يعني سائر ألوان الفواكه (وَأَبًّا) وهو المرعى والكلأ الذي لم يزرعه الناس مما تأكله الأنعام (مَتاعاً) أي منفعة (لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) مرّ معناه ؛ ثم ذكر يوم القيامة فقال (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) يعني صيحة القيامة ، سميت بذلك لأنها تصخ الآذان ، أي تبالغ في اسماعها حتى تكاد تصمها ثم ذكر سبحانه في أيّ وقت تجيء الصاخة فقال (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ) أي وزوجته (وَبَنِيهِ) أي أولاده الذكور ، أي لا يلتفت إلى