العصا (فَكَذَّبَ) بأنها من الله (وَعَصى) نبيّ الله وجحد نبوّته (ثُمَّ أَدْبَرَ) فرعون ، أي ولّى الدبر ليطلب ما يكسر به حجة موسى في المعجزة العظيمة ، فما ازداد إلّا غواية (يَسْعى) أي يعمل بالفساد في الأرض (فَحَشَرَ) أي فجمع قومه وجنوده (فَنادى) فيهم (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أي لا ربّ فوقي (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) نكال مصدر مؤكّد ، لأن معنى أخذه الله : نكل به نكال الآخرة والأولى ، بأن أغرقه في الدنيا ، ويعذّبه في الآخرة (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى (لَعِبْرَةً) أي لعظة (لِمَنْ يَخْشى) الله تعالى ، ويخاف عقابه ونقمته ، ودلالة يمكن أن يعتبر بها العاقل ويميّز بين الحق والباطل.
٢٧ ـ ٤٦ ـ لما قدّم سبحانه ما أتى به موسى وما قابله به فرعون ، وما عوقب به في الدارين عظة لمن كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتحذيرا لهم من المثلات ، خاطب عقيب ذلك منكري البعث فقال (أَأَنْتُمْ) أيّها المشركون المنكرون للبعث (أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) يعني أخلقكم بعد الموت أشدّ عندكم وفي تقديركم أم السماء؟ وهما في قدرة الله تعالى واحد ، وهذا كقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ). ثمّ ابتدأ فبيّن سبحانه كيف خلق السماء فقال (بَناها) الله تعالى الذي لا يكبر عليه خلق شيء (رَفَعَ سَمْكَها) سقفها وما ارتفع منها (فَسَوَّاها) بلا شقوق ولا فطور ولا تفاوت وقيل : أحكمها وجعلها متصرفا للملائكة (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أي أظلم ليلها ، عن ابن عباس (وَأَخْرَجَ ضُحاها) أبرز نهارها وإنما أضاف الليل والضحى إلى السماء لأن منها منشأ الظلام والضياء بغروب الشمس وطلوعها على ما دبّرها الله عزوجل (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أي بعد خلق السماء بسطها من الدحو وهو البسط قال ابن عباس : إنّ الله تعالى دحا الأرض بعد السماء وإن كانت الأرض خلقت قبل السماء ، وكانت ربوة مجتمعة تحت الكعبة فبسطها (أَخْرَجَ مِنْها) أي الأرض (ماءَها) والمعنى : فجّر الأنهار والبحار والعيون (وَمَرْعاها) مما يأكل الناس والأنعام. بيّن سبحانه بذلك جميع المنافع المتعلقة بالأرض من المياه التي بها حياة كل شيء من الحيوانات والأشجار والثمار والحبوب والعيون ، وبها يحصل جميع الأرزاق والنبات التي تصلح للمواشي ، فهي ترعاه بأن تأكله في موضعه (وَالْجِبالَ أَرْساها) أي أثبتها في أوساط الأرض (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي خلق سبحانه الأرض وأخرج منها المياه والمراعي ، وأثبت الجبال بما فيها من أنواع المعادن لمنفعتكم ومنفعة أنعامكم تنتفعون بها ، ولما دلّ سبحانه بهذه الأشياء على صحة البعث وصف يوم البعث فقال (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) وهي القيامة لأنها تطم على كل داهية هائلة ، أي تعلو وتغلب ، ومن ذلك يقال : ما من طامة إلّا وفوقها طامة ، والقيامة فوق كل طامة ، فهي الداهية العظمى قال الحسن هي النفخة الثانية وقيل هي الغاشية الغليظة المجللة التي تدفق الشيء بالغلظ وقيل : إن ذلك حين يساق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) أي تجيء الطامة في يوم يتذكر الإنسان ما عمله من خير أو شر (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي أظهرت النار (لِمَنْ يَرى) فيراها الخلق مكشوفا عنها الغطاء ، ويبصرونها مشاهدة (فَأَمَّا مَنْ طَغى) أي تجاوز الحد الذي حدّه الله له وارتكب المعاصي (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) على الآخرة (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) له ، والإيثار : إرادة الشيء على طريقة التفضيل له على غيره (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي خاف مقام مسألة ربه عما يجب عليه فعله أو تركه (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) أي عن المحارم التي تشتهيها وتهواها وقيل : ان الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر