بالجميل في إرضاع الولد أي بتراضى الوالد والوالدة بعد وقوع الفرقة في الأجرة على الأب ، وارضاع الولد بحيث لا يضرّ بمال الوالد ولا بنفس الولد ، ولا يزاد على الأجر المتعارف ، ولا ينقص الولد عن الرضاع المعتاد (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) والمعنى : فإن اختلفتم في الرضاع وفي الأجر فسترضع له امرأة أخرى أجنبية ، أي فليسترضع الوالد غير والدة الصبي. ثم قال سبحانه (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) أمر سبحانه أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سعتهم (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ) أي ضيق عليه (رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) والمعنى : ومن كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على قدر ذلك ، وعلى حسب امكانه وطاقته (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) أي إلّا بقدر ما أعطاها من الطاقة. وفي هذا دلالة على انه سبحانه لا يكلّف أحدا ما لا يقدر عليه وما لا يطيقه (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أي بعد ضيق سعة ، وبعد فقر غنى ، وبعد صعوبة الأمر سهولة ؛ وفي هذا تسلية للصحابة فإن الغالب على أكثرهم في ذلك الوقت الفقر ، ثم فتح الله تعالى عليهم البلاد فيما بعد (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) أي وكم من أهل قرية عتوا على الله وعلى أنبيائه يعني جاوزوا الحدّ في العصيان والمخالفة (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالمناقشة والاستقصاء باستيفاء الحق وإيفائه قال مقاتل : حاسبها الله تعالى بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب وهو قوله (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة وهو عذاب الاستئصال وقيل : هو عذاب النار ، فإن اللفظ ماض بمعنى المستقبل والنكر : المنكر الفضيع الذي لم ير مثله وقيل : إن في الآية تقديما وتأخيرا تقديره فعذّبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر المصائب والبلايا ، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا وقيل : الحساب الشديد هو الذي ليس فيه عفو (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) أي ثقل عاقبة كفرها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي خسرانا في الدنيا والآخرة وهو قوله (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) يعني عذاب النار ، وهذا يدلّ على ان المراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا ثم قال (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا أصحاب العقول ، ولا تفعلوا مثل ما فعل أولئك فينزل بكم مثل ما نزل بهم. ثم وصف أولي الألباب بقوله (الَّذِينَ آمَنُوا) وخصّ المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك دون الكفار ، ثم ابتدأ سبحانه فقال (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) يعني القرآن وقيل : يعني الرسول عن الحسن ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليهالسلام.
النظم
الوجه في اتصال قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) الآية بما قبله أنه سبحانه بيّن أن الخوف في مقابلة الرجاء وسبيل العاقل أن يحترز من المخوف ، ويقدم الاحتراز عن الخوف على الرجاء ، والذي يقوي جانب الخوف أنه أهلك الأمم الماضية بسبب عصيانها وتمرّدها عن أمر ربّها.
١١ ـ ١٢ ـ (رَسُولاً) المراد به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) أي واضحات (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ) أي من ظلمات الكفر (إِلَى النُّورِ) أي نور الإيمان ، وإنما شبّه الإيمان بالنور لأنه يؤدّي إلى نور القبر والقيامة والجنة ، وشبه الكفر بالظلمة لأنّه يؤدي إلى ظلمة القبر وظلمة جهنم (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) أي يعطيه أحسن ما يعطي أحدا ، وذلك مبالغة في وصف نعيم الجنة (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أي وخلق من الأرض مثلهن في العدد لا في الكيفية ، لأن كيفية السماء مخالفة لكيفية الأرض ، وليس في القرآن آية تدل على أن الأرضين