ليس منها إلا ما أذن الله في وقوعه ، أو التمكن منه ، وذلك أذن للملك الموكل به كأنه قيل : لا يمنع من وقوع هذه المصيبة وقد يكون ذلك بفعل التمكين من الله فكأنه يأذن له بأن يكون وقيل معناه : إلا بتخلية الله بينكم وبين من يريد فعلها عن البلخي وقيل انه خاص فيما يفعله الله تعالى أو يأمر به وقيل معناه : بعلم الله أي لا يصيبكم مصيبة إلّا والله عالم بها (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أي يصدّق به ويرض بقضائه (يَهْدِ قَلْبَهُ) أي يهد الله قلبه حتى يعلم أن ما أصابه فبعلم الله فيصبر عليه ولا يجزع لينال الثواب والأجر ، وقال بعضهم في معناه : من يؤمن بالله عند النعمة فيعلم أنها فضل من الله يهد قلبه للشكر ، ومن يؤمن بالله عند البلاء فيعلم أنه عدل من الله يهد قلبه للصبر ، ومن يؤمن بالله عند نزول القضاء يهد قلبه للاستسلام والرضا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيجازي كل امرىء بما عمله (وَأَطِيعُوا اللهَ) في جميع ما أمركم به (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في جميع ما أتاكم به ودعاكم إليه ، وفيما أمركم به ونهاكم عنه (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي فإن أعرضتم عن القبول منه (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي ليس عليه إلّا تبليغ الرسالة وقد فعل ، والمراد ليس عليه قهركم على الردّ إلى الحق ، وإنما عليه البلاغ الظاهر البيّن فحذف للإيجاز والاختصار (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ولا تحقّ العبادة إلّا له (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) والتوكل : تفويض الأمور إليه ، والرضا بتقديره ، والثقة بتدبيره ؛ وقد أمر الله عباده بذلك فينبغي لهم أن يستشعروا ذلك في سائر أحوالهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) يعني : ان بعضهم بهذه الصفة ولذلك أتى بلفظة من وهي للتبعيض يقول : ان من هؤلاء منّ هو عدوّ لكم في الدين فاحذروهم أن تطيعوهم ، وقيل : انه سبحانه إنما قال ذلك لأن من الأزواج من يتمنى موت الزوج ، ومن الأولاد من يتمنى موت الوالد ليرث ماله ، وما من عدوّ أعدى ممن يتمنى موت غيره ليأخذ ماله ، وكذلك يكون من يحملك على معصية الله لمنفعة نفسه ، ولا عدوّ أشد عداوة ممن يختار ضررك لمنفعته. قال عطاء : يعني قوما أرادوا الغزو فمنعهم هؤلاء وقال مجاهد : يريد قوما أرادوا طاعة الله فمنعوهم (وَإِنْ تَعْفُوا) أي تتركوا عقابهم (وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا) أي تتجاوزوا عنهم وتستروا ما سبق منهم إن عادوا إلى الحالة الجميلة. وذلك ان الرجل من هؤلاء إذا هاجر ورأى الناس قد سبقوه بالهجرة ، وفقهوا في الدين همّ أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه عن الهجرة ، وأن يلحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم ، فأمر سبحانه بالعفو والصفح (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم وقيل : هو عام أي إن تعفوا وتصفحوا عمن ظلمكم فإن الله يغفر بذلك كثيرا من ذنوبكم عن الجبائي (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي محنة وابتلاء وشدة للتكليف عليكم ، وشغل عن أمر الآخرة ، فإن الإنسان بسبب المال والولد يقع في الجرائم. عن ابن مسعود قال : ليقولن أحدكم : اللهمّ إني أعوذ بك من مضلات الفتن (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي ثواب جزيل وهو الجنة ، يعني فلا تعصوه بسبب الأموال والأولاد ، ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر والذخر (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي ما أطقتم ؛ والاتقاء : الامتناع من الردى باجتناب ما يدعو إليه الهوى. ولا تنافي بين هذا وبين قوله : و (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ، لأن كل واحد منهما الزام لترك جميع المعاصي (وَاسْمَعُوا) من الرسول ما يتلو عليكم ، وما يعظكم به ويأمركم وينهاكم (وَأَطِيعُوا) الله والرسول (وَأَنْفِقُوا) من أموالكم في حق الله (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) معناه : قدّموا خيرا لأنفسكم من أموالكم (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) حتى يعطي حق الله من ماله (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي المنجحون الفائزون بثواب الله ؛ وقال الصادق (ع): من أدّى الزكاة فقد وقى شحّ نفسه (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قد مضى معناه ، وإطلاق اسم القرض هنا