تَوَلَّى) أي أدبر عن الحق (وَأَعْطى قَلِيلاً
وَأَكْدى) أي أمسك عن العطية وقطع (أَعِنْدَهُ عِلْمُ
الْغَيْبِ) أي ما غاب عنه من أمر العذاب (فَهُوَ يَرى) أي يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ
مُوسى) أي ألم يخبر ولم يحدّث بما في أسفار التوراة (وَإِبْراهِيمَ) أي وفي صحف إبراهيم (الَّذِي وَفَّى) أي تمم وأكمل ما أمر به. ثم بيّن ما في صحفهما فقال (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى والمعنى : لا تؤخذ نفس بإثم
غيرها (وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) عطف على قوله : (أَلَّا تَزِرُ) ، وهذا أيضا ما في صحف إبراهيم وموسى ، أي ليس له من
الجزاء إلّا جزاء ما عمله دون ما عمله غيره (وَأَنَّ سَعْيَهُ
سَوْفَ يُرى) يعني أن ما يفعله الإنسان ويسعى فيه لا بدّ أن يرى فيما
بعد ، بمعنى أنه يجازى عليه. وبين ذلك بقوله (ثُمَّ يُجْزاهُ
الْجَزاءَ الْأَوْفى) أي يجازي على الطاعات بأوفى ما يستحقه من الثواب الدائم ،
والهاء في يجزاه عائدة إلى السعي ، والمعنى : انه يرى العبد سعيه يوم القيامة ، ثم
يجزى سعيه أوفى الجزاء.
٤٢ ـ ٦٢ ـ ثم عطف
سبحانه على ما تقدم فقال (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ
الْمُنْتَهى) يعني وان إلى ثواب ربك وعقابه آخر الأمر ، والمنتهى : هو
المصير إلى حيث ينقطع العمل عنده (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى) أي فعل سبب الضحك والبكاء من السرور والحزن وقيل : أضحك
أهل الجنة في الجنة ، وأبكى أهل النار في النار (وَأَنَّهُ هُوَ
أَماتَ وَأَحْيا) أي خلق الموت فأمات به الأحياء ، لا يقدر على ذلك غيره ،
وخلق الحياة التي يحيا بها الحيوان ، فأمات الخلق في الدنيا ، وأحياهم في العقبى
للجزاء (وَأَنَّهُ خَلَقَ
الزَّوْجَيْنِ) أي الصنفين (الذَّكَرَ
وَالْأُنْثى) من كل حيوان (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا
تُمْنى) أي إذا خرجت منهما وتنصب في الرحم والنطفة : ماء الرجل
والمرأة التي يخلق منها الولد عن عطاء والضحاك والجبائي وقيل تمنى أي تقدر وهو
أصله فالمعنى تلقى على تقدير في رحم الأنثى (وَأَنَّ عَلَيْهِ
النَّشْأَةَ الْأُخْرى) أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة يعني عليه أن يبعث
الناس أحياء للجزاء فإن قيل ان لفظة على كلمة ايجاب فكيف يجب على الله سبحانه ذلك
فالجواب انه سبحانه إذا كلف الخلق فقد ضمن الثواب فإذا فعل فيهم الآلام فقد ضمن
العوض إذا لم يعوض في الدنيا وخلى بين المظلوم والظالم فلا بد من دار أخرى يقع
فيها الجزاء والانصاف والانتصاف وقد وعد سبحانه بذلك فيجب الوفاء به (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) أي أغنى الناس بالأموال ، وإعطاء القنية ، وأصول المال ،
وما يدّخرونه بعد الكفاية ، عن أبي صالح وقيل : أقنى : أي أخدم عن الحسن ومجاهد
وقتادة وقيل : أغنى موّل ، وأقنى : فأرضى بما أعطى عن ابن عباس وقيل أغنى بالقناعة
، وأقنى بالرضا ، عن سفيان وقيل : أغنى بالكفاية ، وأقنى بالزيادة وقيل : أغنى من
شاء ، وأقنى : أي أفقر وحرم من شاء عن ابن زيد (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ
الشِّعْرى) أي خالق الشعرى ومخترعها ومالكها ، أي فلا تتخذوا المربوب
المملوك إلها وقيل : ان خزاعة كانت تعبدها (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ
عاداً الْأُولى) وهو عاد بن أرم وهو قوم هود ، أهلكهم الله بريح صرصر عاتية
وكان لهم عقب فكانوا عادا الأخرى (وَثَمُودَ) أي وأهلك ثمود (فَما أَبْقى وَقَوْمَ
نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) أي وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) من غيرهم لطول دعوة نوح ، وعتوهم على الله في الكفر
والتكذيب (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) يعني قرى قوم لوط المخسوفة (أَهْوى) أي أسقط ، أهواها جبرائيل بعد أن رفعها وأتبعهم الله
بالحجارة وذلك قوله (فَغَشَّاها ما غَشَّى) انه تفخيم لشأن العذاب الذي نالها من جهة ابهامه في قوله :
ما غشى ، فكأنه قال : قد حلّ بهم من العذاب والتنكيل ما يجل عن البيان والتفصيل (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) أي بأي نعم