المسلمين ، فأتي بهم إلى النبي (ص) أسرى فخلّى سبيلهم.
٢٦ ـ ٢٩ ـ ثمّ قال سبحانه (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) أي حميت قلوبهم بالغضب ؛ ثمّ فسّر تلك الحميّة فقال (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) أي عادة آبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا لأحد ، ولا ينقادوا له ؛ وذلك أن كفار مكّة قالوا قد قتل محمد وأصحابه آباءنا وإخواننا ، ويدخلون علينا في منازلنا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزى لا يدخلونها علينا ؛ فهذه الحمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم ، وقيل : هي أنفتهم من الإقرار لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرسالة ، والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ، حيث أراد أن يكتب كتاب العهد بينهم ، عن الزهري (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) وهي قول لا إله إلّا الله (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) أي كان المؤمنون أهل تلك الكلمة وأحق بها من المشركين (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) لما ذمّ الكفار بالحمية ، ومدح المؤمنين بلزوم الكلمة والسكينة ، بيّن علمه ببواطن سرائرهم ، وما ينطوي عليه عقد ضمائرهم (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) قالوا : إنّ الله تعالى أرى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا انهم داخلو مكة عامهم ذلك ، فلما انصرفوا ولم يدخلوا مكة قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام ، فأنزل الله هذه الآية واخبر انه أرى رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم الصدق في منامه لا الباطل ، وانهم يدخلونه ، واقسم على ذلك فقال (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) يعني العام المقبل (إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) تقديره : لتدخلن المسجد الحرام آمنين من العدو إن شاء الله (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) أي محرمين يحلق بعضكم رأسه ، ويقصر بعض ، وهو أن يأخذ بعض الشعر (لا تَخافُونَ) مشركا (فَعَلِمَ) من الصلاح في صلح الحديبية (ما لَمْ تَعْلَمُوا) علم في تأخير دخول المسجد الحرام من الخير والصلاح ما لم تعلموه أنتم وهو خروج المؤمنين من بينهم (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي من قبل الدخول (فَتْحاً قَرِيباً) يعني فتح خيبر (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) يعني محمدا (بِالْهُدى) أي بالدليل الواضح ، والحجّة الساطعة (وَدِينِ الْحَقِ) أي الإسلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليظهر دين الإسلام بالحجج والبراهين على جميع الأديان (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) بذلك. ثم قال سبحانه (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) نصّ سبحانه على اسمه ليزيل كل شبهة ؛ ثم أثنى على المؤمنين فقال (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) قال الحسن : بلغ من تشددهم على الكفار ان كانوا يتحرزون من ثياب المشركين حتى لا تلتزق بثيابهم ، وعن أبدانهم حتى لا تمس أبدانهم ، وبلغ تراحمهم فيما بينهم ان كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلّا صافحه وعانقه (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) هذا اخبار عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) أي يلتمسون بذلك زيادة نعمهم من الله ، ويطلبون مرضاته (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) أي علامتهم يوم القيامة أن تكون مواضع سجودهم أشد بياضا ، عن ابن عباس وعطية. قال شهر بن حوشب : يكون مواضع سجودهم كالقمر ليلة البدر ، وقيل : هو التراب على الجباه لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب ، عن عكرمة وسعيد بن جبير وأبي العالية ، وقيل : هو الصفرة والنحول عن الضحاك ، قال الحسن : اذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى ، وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من صلّى الخمس (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) يعني انّ ما ذكر من