من وليّ يلي أمره ويدفع عذاب الله عنه (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي ترى الظالمين يا محمد إذا شاهدوا عذاب النار (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ) أي رجوع وردّ إلى دار الدنيا (مِنْ سَبِيلٍ) تمنّيا منهم لذلك (وَتَراهُمْ) يا محمد (يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي على النار قبل دخولهم النار (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) أي ساكنين متواضعين في حال العرض (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) أي خفّي النظر لما عليهم من الهوان ، يسارقون النظر إلى النار خوفا منها ، وذلّة في نفوسهم ، عن الحسن وقتادة ، وقيل خفّي ذليل ، عن ابن عباس ومجاهد ، وقيل : من عين لا تفتح كلها ، وإنما نظروا ببعضها إلى النار. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) لما رأوا عظيم ما نزل بالظالمين (إِنَّ الْخاسِرِينَ) في الحقيقة هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن فوّتوها الانتفاع بنعيم الجنة (وَأَهْلِيهِمْ) أي وأولادهم وأزواجهم وأقاربهم لا ينتفعون بهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) لما حيل بينهم وبينهم ، وقيل : وأهليهم من الحور العين في الجنة لو آمنوا (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) هذا من قول الله تعالى : والمقيم الدائم الذي لا زوال له.
٤٦ ـ ٥٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن الظالمين الذين ذكرهم فقال : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ) لا فيما عبدوه من دونه ، ولا فيمن أطاعوه في معصيته ، أي نصّار (يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) ويدفعون عنهم عقابه (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) يوصله إلى الجنة.
ثم قال سبحانه : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) أي أجيبوا داعي ربكم يعني محمدا (ص) فيما دعاكم إليه ، ورغّبكم فيه من المصير إلى طاعته ، والانقياد لأمره (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) أي لا رجوع بعده إلى الدنيا وقيل معناه : لا يقدر أحد على ردّه ودفعه وهو يوم القيامة ، عن الجبائي ، وقيل معناه : لا يردّ ولا يؤخّر عن وقته وهو يوم الموت ، عن أبي مسلم (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ) أي معقل يعصمكم من العذاب (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) اي انكار وتغيير للعذاب ، وقيل : من نصير منكر ما يحل بكم ثم قال لنبيه (ص) : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يعني الكفّار ، أي عدلوا عمّا دعوتهم إليه (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي مأمورا بحفظهم لئلا يخرجوا عمّا دعوتهم إليه كما يحفظ الراعي غنمه لئلا يتفرّقوا ، أي فلا تحزن لإعراضهم (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) أي ليس عليك إلا إيصال المعنى إلى أفهامهم ، والبيان لما فيه رشدهم (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) وأوصلنا إليه نعمة (فَرِحَ بِها) أي بطر ، لأن الفرح المراد هنا ما قارنه أشر أو جحود أو إنكار لأنّه خرج مخرج الذم. وقيل ان الرحمة هنا العافية (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) قحط أو فقر أو مرض أو غير ذلك ممّا يسوؤهم (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) يعدّد المصيبة ، ويجحد النعم.
ثمّ بيّن سبحانه أن النعم كلها منه فقال : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له التصرف فيهما وفيما بينهما وسياستهما بما تقتضيه الحكمة (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من أنواع الخلق (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ) من خلقه (إِناثاً) فلا يولد له ذكور
__________________
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : القرآن هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ، ونور من الضلالة وضياء من الأحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة ؛ وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد عن القرآن إلّا إلى النار. أصول الكافي : ٢ / ٦٠١.