ما تقولونه من جهة العقل (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) انهم قالوا : صاهر الله الجنّ فحدثت الملائكة ، تعالى الله عن قولهم (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي علمت الملائكة ان هؤلاء الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب يوم القيامة (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) نزّه سبحانه نفسه عمّا وصفوه به ؛ وأضافوه إليه (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثنى عباده المخلصين من جملة الكفار القائلين فيه ما لا يليق به.
١٦١ ـ ١٧٠ ـ ثم خاطب سبحانه الكفار بأن قال لهم (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) والمعنى : انكم يا معشر الكفار والذي تعبدونه (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) والتقدير : انكم وما تعبدونه ما أنتم بفاتنين على عبادته أحدا إلا من يصلى الجحيم ويحترق بها بسوء اختياره (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) هذا قول جبرائيل للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وفيه مضمر : أي وما منا معشر الملائكة ملك إلّا له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه وقيل معناه : انه لا يتجاوز ما أمر به ورتب له كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الذي حدّ له فكيف يجوز أن يعبد من بهذه الصفة وهو عبد مربوب (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) حول العرش ننتظر الأمر والنهي من الله تعالى وقيل القائمون صفوفا في الصلاة قال الكلبي : صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض. وقال الجبائي : صافون بأجنحتنا في الهواء للعبادة والتسبيح (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) أي المصلون والمنزهون الرب عما لا يليق به ، ومنه قوله : فرغت من سبحتي ، أي من صلاتي وذلك لما في الصلاة من تسبيح الله تعالى وتعظيمه ؛ والمسبحون القائلون : سبحان الله على وجه التعظيم لله (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) ان هذه هي المخففة من الثقيلة ألا ترى ان اللام قد لزم خبرها والمعنى : وان هؤلاء الكفار يعني أهل مكة ـ كانوا يقولون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) أي كتابا (مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي من كتب الأولين التي أنزلها على أنبيائه وقيل : ذكرا أي علما من الأولين الذين تقدّمونا وما فعل الله بهم ، فسمّي العلم ذكرا لأن الذكر من أسباب العلم (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين يخلصون العبادة لله تعالى ؛ فجعلوا العذر في امتناعهم من الإيمان انهم لا يعرفون أخبار من تقدّمهم ، وهل حصلوا في جنة أو نار (فَكَفَرُوا بِهِ) في الكلام حذف تقديره فلما أتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم ؛ وهذا تهديد لهم.
١٧١ ـ ١٨٢ ـ ثم أقسم سبحانه فقال (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أي سبق الوعد منا لعبادنا الذين بعثناهم إلى الخلق (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) في الدنيا والآخرة على الأعداء بالقهر والغلبة ، وبالحجج الظاهرة. قال الحسن : المراد بالآية نصرتهم في الحرب فإنه لم يقتل نبيّ من الأنبياء قطّ في الحرب وإنما قتل من قتل منهم غيلة ، أو على وجه آخر في غير الحرب ، وإن مات نبيّ قبل النصرة أو قتل فقد اجرى الله تعالى العادة بأن ينصر قومه من بعده فيكون في نصرة قومه نصرة له ، فقد تحقق قوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) أضاف المؤمنين إلى نفسه ووصفهم بأنهم جنده تشريفا وتنويها بذكرهم حيث قاموا بنصرة دينه. ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي اعرض عن هؤلاء الكفار (حَتَّى حِينٍ) أي إلى وقت نأمركم فيه بقتالهم ، يعني يوم بدر (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) أي انظرهم وابصر ما ضيّعوا من أمر الله فسوف يرون العذاب ، عن ابن زيد ، وقيل : وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب فسوف يبصرون ، وقيل : وابصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة معاينة وفي هذا اخبار بالغيب لأنه وعد نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بالنصر والظفر فوافق المخبر الخبر ؛ وكأنّهم قالوا : متى هذا العذاب؟ فأنزل الله (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) أي يطلبون تعجيل عذابنا