بنو حارثة وبنو سلمة (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) ليست بحريزة ، مكشوفة ليست بحصينة ، عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه : بيوتنا خالية من الرجال ، نخشى عليها السراق عن الحسن وقيل : قالوا : بيوتنا مما يلي العدو ولا نأمن على أهلينا ؛ عن قتادة فكذّبهم الله تعالى فقال (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) بل هي رفيعة السمك حصينة عن الصّادق عليهالسلام (إِنْ يُرِيدُونَ) أي ما يريدون (إِلَّا فِراراً) وهربا من القتال ، ونصرة المؤمنين (وَلَوْ دُخِلَتْ) أي ولو دخلت البيوت ، أو دخلت المدينة (عَلَيْهِمْ) أي ولو دخل هؤلاء الذين يريدون القتال وهم الأحزاب على الذين يقولون ان بيوتنا عورة وهم المنافقون (مِنْ أَقْطارِها) أي من نواحي المدينة أو البيوت (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها) أي ثم دعوا هؤلاء إلى الشرك لأشركوا ، فالمراد بالفتنة الشرك عن ابن عباس (وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) أي وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا عن قتادة وقيل معناه : وما أقاموا بالمدينة بعد إعطائهم الكفر إلا قليلا حتى يعاجلهم الله بالعذاب ، عن الحسن والفراء. ثم ذكرهم الله سبحانه عهدهم مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالثبات في المواطن فقال (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل الخندق (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) أي بايعوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحلفوا له أنهم ينصرونه ويدفعون عنه كما يدفعون عن نفوسهم ، ولا يرجعون عن مقاتلة العدو ولا ينهزمون قال مقاتل يريد ليلة العقبة (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) يسألون عنه في الآخرة وإنما جاء بلفظ الماضي تأكيدا ثم قال سبحانه (قُلْ) يا محمد للذين استأذنوك في الرجوع واعتلّوا بأن بيوتهم يخاف عليها (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) إن كان حضرت آجالكم فإنه لا بدّ من واحد منهما وإن هربتم ، فالهرب لا يزيد في آجالكم (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) معناه : وإن لم تحضر آجالكم وسلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم تمتعوا في الدنيا إلّا أياما قلائل (قُلْ) يا محمد (مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ) أي يدفع عنكم قضاء الله ، ويمنعكم من الله (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) أي عذابا وعقوبة (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) أي نصرا وعزّا ، فإن أحدا لا يقدر على ذلك (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يلي أمورهم (وَلا نَصِيراً) ينصرهم ويدفع عنهم. ثم قال سبحانه (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) وهم الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويثبطونهم ويشغلونهم لينصرفوا عنه وذلك بأنهم قالوا لهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وهؤلاء الأحزاب (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ) يعني اليهود قالوا لإخوانهم المنافقين (هَلُمَّ إِلَيْنا) أي تعالوا وأقبلوا إلينا ودعوا محمد وقيل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمين لا تحاربوا وخلّوا محمدا فإنا نخاف عليكم الهلاك (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) أي ولا يحضرون القتال في سبيل الله (إِلَّا قَلِيلاً) يخرجون رياء وسمعة قدر ما يوهمون أنهم معكم ، يعلم الله سبحانه أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها عن السدي وقيل معناه : ولا يحضرون القتال إلّا كارهين ؛ تكون قلوبهم مع المشركين عن قتادة (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أي لا يأتون الناس أشحة عليكم ، أي بخلاء بالقتال معكم وقيل : بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة عن قتادة ومجاهد ومعناه لا ينصرونكم. ثم أخبر عن جبنهم فقال (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى) أي كعين الذي يغشى (عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) وهو الذي قرب من حال الموت وغشيته أسبابه فيذهل ويذهب عقله ، ويشخص بصره فلا يطرف ، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم ، وتحار أعينهم من شدة خوفهم ، فإذا ذهب الخوف والفزع ، وجاء الأمن والغنيمة (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) معناه : بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون : اعطونا فلستم