بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) الذين ظلموا أنفسهم بترك النظر فيها ، والعناد لها بعد حصول العلم لهم بها (وَقالُوا) يعني كفار مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) أراد به الآيات التي اقترحوها في قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الآيات ، وأن يجعل الصفا ذهبا ، وقيل : انهم سألوا آية كآية موسى من فلق البحر ، وقلب العصا حيّة ، وجعلوا ما أتى به من المعجزات والآيات غير آية وحجة إلقاء للشبهة بين العوام. فقال الله تعالى : (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها ويظهرها بحسب ما يعلم من مصالح عباده ، وينزل على كل نبي منها ما هو أصلح له ولأمته. ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها ، وإنما جاء كل نبي بفن منها (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي منذر مخوّف من معصية الله ، مظهر طريق الحق والباطل ، وقد فعل الله سبحانه ما يشهد بصدقي من المعجزات.
٥١ ـ ٥٥ ـ لما تقدّم طلبهم للآيات أجابهم سبحانه فقال : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) أي القرآن (يُتْلى عَلَيْهِمْ) بيّن سبحانه أن في إنزال القرآن دلالة واضحة ، ومعجزة لائحة ، وحجّة بالغة ، تنزاح معه العلة ، وتقوم به الحجة ، فلا يحتاج في الوصول إلى العلم بصحة نبوته إلى غيره ، على ان إظهار المعجزات مع كونها إزاحة للعلة تراعى فيه المصلحة ، فإذا كانت المصلحة في إظهار نوع منها لم يجز إظهار غيرها ، ولو أظهر الله سبحانه الآيات التي اقترحوها ثم لم يؤمنوا لاقتضت الحكمة إهلاكهم بعذاب الإستئصال كما اقتضت ذلك في الأمم السالفة (إِنَّ فِي ذلِكَ) معناه : ان في القرآن (لَرَحْمَةً) أي نعمة عظيمة الموقع لأن من تبعه وعمل به نال الثواب ، وفاز بالجنة (وَذِكْرى) أي وتذكيرا وموعظة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي يصدّقون به (قُلْ) يا محمد (كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) لي بالصدق والإبلاغ ، وعليكم بالتكذيب والعناد ؛ وشهادة الله له قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ، وهو في كلام معجز قد ثبت أنه من الله سبحانه (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيعلم أني على الهدى ، وانكم على الضلالة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) أي صدقوا بغير الله (وَكَفَرُوا بِاللهِ) أي جحدوا وحدانية الله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا ثواب الله بارتكاب المعاصي ، والجحود بالله (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) يا محمد ، أي يسألونك نزول العذاب عاجلا لجحودهم صحة ما توعدهم به كما قال النضر بن الحرث : امطر علينا حجارة من السماء (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) أي وقت قدره الله تعالى أن يعاقبهم فيه وهو يوم القيامة (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) الذي استحقوه (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ) العذاب (بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه ووقت مجيئه. ثم ذكر أن موعد عذابهم النار فقال : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) يعني ان العذاب وإن لم يأتهم في الدنيا فإن جهنم محيطة بهم ، أي جامعة لهم وهم معذّبون فيها لا محالة (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يعني ان العذاب يحيط بهم ، فلا يبقى جزء منهم إلا وهو معذب في النار ، وهذا كقوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) (وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي جزاء أعمالكم وأفعالكم القبيحة.
٥٦ ـ ٦٠ ـ ثم بيّن سبحانه أنه لا عذر لعباده في ترك طاعته فقال : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) ببعد أقطارها ؛ فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها من الإيمان والإخلاص في عبادتي (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) أي اعبدوني خالصا ولا تطيعوا أحدا من خلقي في معصيتي. أمر سبحانه المؤمنين إذا كانوا في بلد لا يلتئم فيه لهم أمر دينهم أن ينتقلوا عنه إلى غيره ، ثم خوّفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة فقال : (كُلُ