١٥ ـ ١٩ ـ ثم عطف سبحانه على قصة موسى عليهالسلام قصة داود وسليمان عليهمالسلام فقال سبحانه (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) أي علما بالقضاء بين الخلق ، وبكلام الطير والدواب (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) أي اختارنا من بين الخلق بأن جعلنا أنبياء ، وبالمعجزة والملك والعلم الذي أتاناه ، وبالإنة الحديد ، وتسخير الشياطين والجن والإنس (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) في هذا دلالة على أن الأنبياء يورثون المال كتوريث غيرهم وهو قول الحسن (وَقالَ) سليمان مظهرا لنعمة الله وشاكرا إياها (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) ومنطق الطير : صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة ، بخلاف منطق الناس الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة ، ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ، ولم تفهم هي عنا لأن افهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة ، ولما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي من كل شيء يؤتى الأنبياء والملوك. وروى الواحدي بالإسناد عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عليهالسلام قال : أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي هذا فضل الله الظاهر الذي لا يخفى على أحد ، وهذا قول سليمان على وجه الإعتراف بنعم الله عليه (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ) أي جمع له جموعه ، وكل صنف من الخلق جند على حدة بدلالة قوله (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) قال المفسرون : كان سليمان إذا أراد سفرا أمر فجمع له طوائف من هؤلاء الجنود على بساط ، ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض والمعنى : وحشر لسليمان جنوده : أي جمع له جموعه في مسير له (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يمنع أولهم على آخرهم عن ابن عباس ، ومعنى ذلك : أن على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرقوا كما تقوم الجيوش إذا كثرت بمثل ذلك ، وهو أن تدفع أخراهم ، وتوقف أولاهم (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) أي فسار سليمان وجنوده حتى إذا أشرفوا على واد وهو بالطائف (قالَتْ نَمْلَةٌ) أي صاحت بصوت خلق الله لها ، ولما كان الصوت مفهوما لسليمان عبّر عنه بالقول (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) أي لا يكسرنكم (سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بحطمكم ووطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لم يطؤوكم. قال ابن عباس : فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه (فَتَبَسَّمَ) سليمان (ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) وسبب ضحك سليمان التعجب ، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجّب وضحك (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) بأن علّمتني منطق النمل واسمعتني قولها من بعيد حتى أمكنني الكف ، وأكرمتني بالنبوة والملك (وَعَلى والِدَيَ) أي أنعمت على والدي بأن أكرمته بالنبوة وفصل الخطاب ، وألنت له الحديد ، وعلى والدتي بأن زوّجتها نبيّك ، وجعل النعمة عليها نعمة لله سبحانه عليه يلزمه شكرها (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) أي وفّقني لأن أعمل صالحا في المستقبل ترضاه (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) قال ابن عباس : يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين ، أي أدخلني في جملتهم ، وأثبت اسمي مع أسمائهم ، واحشرني في زمرتهم.
٢٠ ـ ٢٦ ـ ثم أخبر سبحانه عن سليمان فقال : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) أي طلبه عند غيبته (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي ما للهدهد لا أراه؟ (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) معناه : أتأخر عصيانا