فوق بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي ترى المطر والقطر يخرج من خلال السحاب أي مخارج القطر منه (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) أي وينزل من جبال في السماء ـ تلك الجبال من برد ـ بردا والسماء : السحاب ، لأن كل ما علا مطبقا فهو سماء ؛ ويجوز أن يكون البرد يجتمع في السحاب كالجبال ثم ينزل منها عن البلخي وغيره وقيل معناه وينزل من السماء مقدار جبال من برد كما يقول عندي بيتان من تبن أي قدر بيتين عن الفراء وقيل أراد السماء المعروفة فيها جبال من برد مخلوقة عن الحسن والجبائي (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد أي بضرره (مَنْ يَشاءُ) فيهلك زرعه وماله (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) أي ويصرف ضرره عمن يشاء ، فيكون اصابته نقمة ، وصرفه نعمة (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) أي يقرب ضوء برق السحاب من أن يذهب بالبصر ويخطفه لشدة لمعانه كما قال : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما ، وإدخال أحدهما في الآخر (إِنَّ فِي ذلِكَ) التقليب (لَعِبْرَةً) أي دلالة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي لذوي العقول والبصائر (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) أي كل حيوان يدبّ على وجه الأرض ولا يدخل فيه الجن والملائكة (مِنْ ماءٍ) أي من نطفة وقيل عنى به الماء لأن أصل الخلق من الماء لأنه الله خلق الماء وجعل بعضه نارا فخلق الجن منها وبعضه ريحا فخلق منه الملائكة وبعضه طينا فخلق منه آدم عليهالسلام فأصل الحيوان كلّه الماء ويدل قوله (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحية والحوت والدود (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالانس والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالأنعام والوحوش والسباع ، ولم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع لأنه كالذي يمشي على أربع في رأي العين فترك ذكره لأن العبرة تكفي بذكر الأربع.
(يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) أي يخترع ما يشاء وينشئه من الحيوان وغيره وقال المبرد قوله (كُلَّ دَابَّةٍ) للناس وغيرهم وإذا اختلط النوعان حمل الكلام على الأغلب فلذلك قال من لغير ما يعقل (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يخلق هذه الأشياء لقدرته عليها ، فاختلاف هذه الحيوانات مع اتفاق أصلها يدل على أن لها قادرا خالقا عالما حكيما (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) دلالات واضحات (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي من جملة تلك الدواب وعنى به المكلفين دون من ليس بمكلف ، والصراط المستقيم الإيمان لأنه يؤدّي إلى الجنة. وقيل : إن المراد يهدي في الآخرة إلى طريق الجنة.
٤٧ ـ ٥٢ (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ) أي صدّقنا بتوحيد الله (وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا) فيما حكما (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي يعرض عن طاعتهما طائفة منهم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد قولهم آمنا (وَما أُولئِكَ) الذين يدعون الإيمان ثم يعرضون عن حكم الله ورسوله (بِالْمُؤْمِنِينَ) وفي هذه الآية دلالة على أن القول المجرد لا يكون إيمانا إذ لو كان ذلك كذلك لما صحّ النفي بعد الإثبات (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ) أي إلى كتاب الله وحكمه وشريعته (وَرَسُولِهِ) أي وإلى حكم رسوله (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) الرسول وإنما أفرد بعد قوله : (إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) ، لأن حكم الرسول يكون بأمر الله تعالى فحكم الله ورسوله واحد
__________________
قال الامام الصادق عليهالسلام : إن الدواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النعم ، وديوان فيه الحسنات ، فتستغرق النعم عامة الحسنات ، ويبقى ديوان السيئات ، فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا رب أنا القرآن ، وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ، ويطيل ليله بترتيلي ، وتفيض عيناه إذا تهجّد ، فأرضه كما أرضاني ، فيقول العزيز الجبار : عبدي أبسط يمينك فيملأها من رضوان الله العزيز الجبّار ، ويملأ شماله من رحمة الله ، ثم يقال : هذه الجنة مباحة لك ، فاقرأ واصعد ، فإذا قرأ آية صعد درجة. أصول الكافي : ٢ / ٥٧٦.